وهذه الأمور ثابتة لجميع الأنبياء، ولنبينا –صلى الله عليه وسلم- من هذه الأوصاف أعلاها وأكملُها. فلقد جمع الله به من الكمال ما فرقه في غيره من الأنبياء والأصفياء، وله على أمته أن يقدموا محبته على محبة أنفسهم وأولادهم ووالديهم والناس أجمعين، وأن يقوموا بحقه، وهو القيام بشرعه وتعلمه وتعليمه، واتباعه ظاهرًا وباطنًا، ويعتقدوا أنَّه خاتم الأنبياء، وأفضل الخلق أجمعين، وأنَّه أصدق الخلق وأنصحهم وأعظمهم في كلِّ خصلة حميدة، ومنقبة جميلة، وأنَّه أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة على المؤمنين، وشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وخصّه بخصائص لم تكن لأحد قبله من الرسل، وأيّده بالآيات البيّنات والمعجزات الظاهرات، والبراهين القواطع، والأنوار السواطع.
صفاته –صلى الله عليه وسلم- من أكبر الأدلة على صدقه، وأنَّه رسول الله حقًا، وما بعث به من الهدى والرشد والرحمة، والعلوم الربانية، والمعارف الإلهية، والعبوديات الظاهرة والباطنة المزكية للقلوب، المنمّية للأخلاق، المثمرة لكلِّ خير من أعظم البراهين على رسالته، وأنَّها من عند الله.
وما جاء به من القرآن العظيم، وما احتوى عليه من علوم الغيب والشهادة، ومن علوم الظاهر والباطن، ومن علوم الدنيا والدين والآخرة، ومن الهداية إلى كلِّ خير، والتحذير من كلِّ شر، ومن الإرشاد إلى أقوم الطرق وأهدى السبل، وأقرب الوسائل وأرجح الدلائل، كلُّ ذلك دليل وبرهان على أنَّه من عند الله، تنزيل من حكيم حميد، وأنَّ من جاء به هو الرسول الأمين والصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ولهذا نقول: ومن الإيمان بالله ورسوله: الإيمان بهذا القرآن العظيم، وأنَّه كلام الله حقيقة منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وأنَّه تكلم به حقًا، وبلغه جبريل لمحمد –صلى الله عليه وسلم- وبلغه محمد –صلى الله عليه وسلم- لأمته، فنقلته الأمة كلُّها بأسرها قرنًا بعد قرن.