وقد تواترت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- الأحاديث المتنوعة في فتنة القبر، وعذابه ونعيمه، وأنَّ الميت تعاد إليه روحه في قبره فيُسأل عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن: الله ربي، ومحمد نبيي، والإسلام ديني، فيفسح له في قبره وينوّر له فيه، ويُنَعَّمُ فيه إلى يوم القيامة كما وُصِفَ ذلك وفُصِّلَ في السنّة.
وأما الكافر والمنافق فيضله الله عن الصواب لظلمه وكفره، فيضيق عليه قبره، ولا يزال يعذب إلى أن تقوم الساعة.
ومن المذنبين من يعذّب في القبر مدة بقدر ذنوبه، ثم يرفع عنه العذاب، ومنهم من يرفع عنه العذاب بشفاعة أو دعاء أو صدقة أو نحو ذلك.
ثم إذا تكامل الآدميون وماتوا جميعًا أمر تعالى إسرافيل بالنفخ في الصور، فيخرجون من قبورهم إلى موقف يوم القيامة، حفاة عراة غرلاً، ومهطعين إلى الداع كأنَّهم إلى نصب يوفضون، يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدًا، ويساق المجرمون إلى جهنم وردًا، فيقفون موقفًا عظيمًا لا تتصور العقول عظمه وفظاعته وهوله، ولكن الله يخففه على المؤمنين.
ويسيل العرق منهم فيكونون على قدر أعمالهم، منهم من يأخذه إلى كعبيه، وإلى ركبتيه، وإلى حقويه، وإلى حَلقه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا، وتدنوا الشمس منهم فتكون على قدر ميل منهم، ويصيب الخلق من الهمِّ والكرب ما الله به عليم، فيفزعون إلى من يشفع لهم إلى ربهم ليريحهم من هذا الموقف، ويفصل بينهم، فيأتون آدم، ثم نوحًا، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكلُّهم يعتذر ويدفعهم إلى من بعده.


الصفحة التالية
Icon