فمن أوضح أدلته وأجلاها الاستدلال على ذلك باعتراف الخلق برّهم وفاجرهم، إلا شرذمة ملحدة، معطلة للباري. فالخلق كلُّهم مسلمهم وكافرهم قد اعترفوا بأنَّ الله هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو الرازق ومن سواه مرزوق، وهو المدبر وما سواه مُصَرَّف مُدبَّر، وهو المالك وما سواه مملوك. فهذا يدل أكبر دلالة على أنَّه لا يستحق العبادة سواه.
ولهذا يستدل به على المشركين ويأخذهم باعترافهم كقوله: ﴿قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٤-٨٩]. وآيات كثيرة جدًا فيها هذا المعنى، لأنَّه برهان واضح، ينقل الذهن منه بأول وهلة، بأنَّ من هذا شأنه وعظمته، وأنَّه هو المنفرد بالوحدانية المستحقة للعبودية وإخلاصِ الدين له.
ومن براهين التوحيد: إخباره في عدة آيات أنَّ جميع ما يُعبد من دونه مخلوق، فقير عاجز، لا يستطيع نفعًا ولا دفعًا ولا جلب خير لعابده، ولا وقاية شر، ولا ينصر من عبده ولا أنفسهم ينصرون.
ومن كان بهذه المثابة فمن السفه والحمق الجنوني عبادته وخوفه ورجاؤه، وتعليق القلوب به، وإنَّما يجب تعليق القلوب بالغني المطلق، الذي ما بالعباد من نعمة ولا خير إلا منه، ولا يدفع المكاره إلا هو.