وإذا كان جميع ما فيه الخلق من النعم والأفراح والمسرَّات أسبابها ومسبباتها، الظاهرة منها والباطنة، الدينية والدنيوية، كلُّها من الله، وهو الذي تفضل بها من غير سبب منهم، فإن حصل بعض الأسباب الواقعة من الخلق التي ينالون بها نعمه ورحمته، فتلك الأسباب هو الذي أعطاهم إياها، فمنه كل شيء محبوب، وجميع الشرور والمكاره هو الذي دفعها ويسر دفعها.
فمن كان هذا شأنه العظيم وخيره الجسيم، أليس هو الذي يستحق أن يبذل له خالص العبودية، وصفو الوداد، وأحق من عُبد، وأولى من ذُكر وشُكر، فتبًا لمن أشرك به من هو مضطر إليه في كل ِّ أحواله، فقير في جميع أموره.
ومن براهين التوحيد: ما يصف الله به الأوثان ومن عُبد من دونه من النقص العظيم، وأنَّها فاقدة للكمال، وربما كانت فاقدة أيضًا للأقوال والأفعال، وأنَّها لا تخلق ولا ترزق باعتراف عابديها، وليس لها ملك ولا شركة في الملك، وليس لها مظاهرة لله ولا معاونة بوجهٍ من الوجوه، وليس الله محتاجًا إليها، ولا إلى غيرها، بل هو الغني الحميد.