فمن ذلك ما أخبر به عن تفاصيل الوقائع الماضية في قصص الرسل في أنفسهم، ومع أقوامهم من أتباعهم وأعدائهم تفصيلاً ليس لأحد طريق إلى تحصيله، إلا الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ونهاية ما عند خواص أهل الكتاب من تلك التفاصيل نتف وقطع لا يحصل منها قريبًا مما يحصل بالقرآن.
ولهذا يخبر في أثناء هذا القصص أنَّ إتيان رسوله محمد ﷺ بها دليل على رسالته، كقوله بعدما ذكر قصة موسى مبسوطة، ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٤٤-٤٦].
أي أنَّه لا سبيل لك إلى معرفة هذه الأمور بتلقِّ عن أحد، ولا وصول لذلك إلا من جهة الوحي الذي أوحاه إليه، وكذلك ذكر الله هذا المعنى في آخر قصة يوسف المطولة في قوله: ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ﴾ [يوسف: ١٠٢ ]الآية. وفي قصة مريم وزكريا: ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤].
فكل هذا يدل أكبر دلالة على رسالة وصحة ما جاء به من التوحيد، حيث جاءتهم هذه الأمور المفصلة بطريقة لا سبيل إليها إلا بالوحي.
ومثل ذلك خبره عن الملائكة والملأ الأعلى، وقصة آدم وسجود الملائكة له بعد تلك المراجعات فقال: ﴿مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص: ٦٩].


الصفحة التالية
Icon