وأما أبو هريرة فالذي نقل عنه رواه الشافعي في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن صالح بن أبى صالح أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعاً صوته: ( ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم ) في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن. وهذا إسناد لا يحتج به؛ لأن إبراهيم بن محمد هو الأسلمى، وقد أجمع أهل النقل والحديث على ضعفه ولم يوثقه سوى الشافعي.
قال أبو داود: كان قدريا رافضيا كل بلاء فيه. وصالح بن أبى صالح الكوفي ضعيف واه، وعلى تقدير صحته لا يدل على أن الاستعاذة بعد القراءة بل يدل على أنه كان يستعيذ إذا فرغ من أم القرآن أى للسورة الأخرى وذلك واضح. فأما أبو هريرة فهو ممن عرف بالجهر بالاستعاذة لا بالإتيان بها بعد القراءة. وأما ابن سيرين والنخعى فلا يصح عن واحد منهما عن أهل النقل.
وأما مالك فقد حكاه عنه القاضي ابن العربي في المجموعة وكفى في الرد والشناعة على قائله. وأما داود وأصحابه فهذه كتبهم موجودة لا تعد كثرة لم يذكر فيها أحد شيئا من ذلك، ونص ابن حزم إمام أهل الظاهر على التعوذ قبل القراءة ولم يذكر غير ذلك.
وأما الاستدلال بظاهر الآية فغير صحيح، بل هي جارية على أصل لسان العرب وعرفه وتقديرها عند الجمهور إذا أردت القراءة فاستعذ، وهو كقوله تعالى: ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) وكقوله: ( من أتى الجمعة فليغتسل). أ هـ.
وقهـ. لمحقق: وعندي أن الأحسن في تقديرها إذا ابتدأت وشرعت كما في حديث جبريل: فصلى الصبح حين طلع الفجر، أي أخذ في الصلاة عند طلوعه ولا يمكن القول بغير ذلك، وهذا بخلاف قوله في حديث: ثم صلاها بعد أن أسفر، فإن الصحيح أن المراد بهذا الابتداء خلافا لمن قال إن المراد الانتهاء. أ هـ.


الصفحة التالية
Icon