وإذا قطعت عن الإضافة وأخبر عنها فحقها أن تكون ابتداء ويكون خبرها جمعا ولا بد من مذكورين قبلها ؛ لأنها إن لم تذكر قبلها جملة ولا أضيفت إلى جملة بطل معنى الإحاطة فيها ولم يعقل لها معنى، وإنما وجب أن يكون خبرها جمعا ؛ لأنها اسم في معنى الجمع، فتقول : كل ذاهبون، إذا تقدم ذكر قوم ؛ لأنك معتمد في المعنى عليهم، وإن كنت مخبرا عن (كل ) فصارت بمنزلة قولك : الرهط ذاهبون، والنفر منطلقون ؛ لأن الرهط والنفر اسمان مفردان ولكنهما في معنى الجمع، والشاهد لما بيناه قوله سبحانه :( وكل في فلك يسبحون ) الأنبياء ٣٣، ( كل إلينا راجعون ) الأنبياء ٩٣، ( وكل كانوا ظالمين ) الأنفال ٥٤.
وإن كانت مضافة إلى ما بعدها في اللفظ لم تجد خبرها إلا مفردا ؛ للحكمة التي قدمتها قبل وهي : أن الأصل إضافتها إلى النكرة المفردة فتقول : كل إخوتك ذاهب، أي كل واحد منهم ذاهب.. ) اهـ
ثم أورد المؤلف سؤالا قد يناقض ما أصله في هذه القاعدة وهو : أنه قد ورد في القرآن :( كل يعمل على شاكلته ) الإسراء ٨٤، ( كل كذب الرسل ) ق ١٤، وهذا يناقض ماتقدم.
قيل : إن في هاتين الآيتين قرينة تقتضي تخصيص المعنى بهذا اللفظ دون غيره، أما قوله تعالى :( قل كل يعمل على شاكلته ) فلأن قبلها ذكر فريقين مختلفين، ذكر مؤمنين وظالمين فلو قال : يعملون وجمعهم في الإخبار عنهم، لبطل معنى الاختلاف فكان لفظ الإفراد أدل على المعنى المراد، كأنه يقول : كل فهو يعمل على شاكلته.
وأما قوله :( كل كذب الرسل ) فلأنه ذكر قرونا وأمما وختم ذكرهم بذكر قوم تبع فلو قال : كل كذبوا، و(كل ) إذا أفردت إنما تعتمد على أقرب المذكورين إليها فكان يذهب الوهم إلى أن الإخبار عن قوم تبع خاصة بأنهم كذبوا الرسل، فلما قال :(كل كذب ) علم أنه يريد كل فريق منهم ؛ لأن إفراد الخبر عن (كل ) حيث وقع إنما يدل على هذا المعنى، كما تقدم، ومثله :(كل آمن بالله ) البقرة ٢٨٥.


الصفحة التالية
Icon