وسر اقتران النصر بالهدى : أن كلا منهما يحصل به الفرقان بين الحق والباطل، ولهذا سمى تعالى ما ينصر به عباده المؤمنين فرقانا، كما قال تعالى :( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يون التقى الجمعان ) الأنفال، ٤١ فذكر الأصلين ما أنزله على رسوله يوم الفرقان وهو يوم بدر، وهو اليوم الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل بنصر رسوله ودينه وإذلال أعدائه وخزيهم، ومن هذا قوله تعالى :( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ) الأنبياء ٤٨، فالفرقان نصره له على فرعون وقومه، والضياء والذكر التوراة هذا هو معنى الآية...
ثم رد ـ رحمه الله ـ على من فسر الآية بغير ذلك.
القاعدة الحادية عشرة :
الطريقة المعهودة في القرآن الكريم هي : أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى، فيذكر فاعلها منسوبة إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة = حذف وبني الفعل معها للمفعول = أدبا في الخطاب وإضافة إلى الله تعالى أشرف قسمي أفعاله (١).
فمنه قوله :( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم.. ) فإنه ذكر النعمة فأضافها إليه ولم يحذف فاعلها، ولما ذكر الغضب حذف الفاعل وبنى الفعل للمفعول فقال :( المغضوب عليهم )، وقال في الإحسان :( الذين أنعمت عليهم ).
ونظيره : قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه :( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) الشعراء ٧٨ ـ ٨٠، فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله تعالى، ولما جاء إلى ذكر المرض قال :( وإذا مرضت ) ولم يقل : أمرضني، وقال :( فهو يشفين ).

(١) البدائع : ٢ / ٤٢٠ ــ ٤٢١، ٧٢٤ ـ ٧٢٥ ط. ع، و : ٢ / ١٨ ـ ١٩، ٢١٤ ـ ٢١٥ ط. م.


الصفحة التالية
Icon