وأما ما عدا هذا من الأقوال كقول من قال : الصلوات الخمس، وقول من قال : حب أبي بكر وعمر، وقول من قال : هو أركان الإسلام الخمس التي بني عليها، فكل هذه الأقوال تمثيل وتنويع لا تفسير مطابق له، بل هي جزء من أجزائه وحقيقته الجامعة ما تقدم.
وقد ضرب ابن القيم ـ رحمه الله ـ مثالا آخر على هذه القاعدة عند تفسيره لقوله تعالى :( ومن شر غاسق إذا وقب ) (١)، فقال ـ بعد أن ذكر معنيين للغاسق إذا وقب ـ :( عن أبي سلمة عن عائشة قالت أخذ النبي بيدي فنظر إلى القمر فقال :( يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب ) (٢)، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وهذا أولى من كل تفسير فيتعين المصير إليه.
قيل : هذا التفسير حق ولا يناقض التفسير الأول، بل يوافقه ويشهد بصحته، فإن الله تعالى قال :( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) الإسراء ١٢، فالقمر هو آية الليل وسلطانه فهو أيضا غاسق إذا وقب كما أن الليل غاسق إذا وقب، والنبي أخبر عن القمر بأنه غاسق إذا وقب وهذا خبر صدق، وهو أصدق الخبر ولم ينف عن الليل اسم الغاسق إذا وقب، وتخصيص النبي له بالذكر لا ينفي شمول الاسم لغيره.
ونظير هذا : قوله في المسجد الذي أسس على التقوى وقد سئل عنه فقال :(هو مسجدي هذا ) (٣)، ومعلوم أن هذا لا ينفي كون مسجد قباء مؤسسا على التقوى مثل ذاك.

(١) ٢ / ٧٢٨ ــ ٧٣١، ٧٥٢ ــ ٧٥٤ ط. ع، و : ٢ / ٢١٦ ـ ٢١٨، ٢٣١ ـ ٢٣٢ ط. م.
(٢) أخرجه الترمذي رقم ( ٣٣٦٦ )، وأحمد : ٦ /٦١، والحاكم : ٢ /٥٤٠، والحديث صححه الترمذي والحاكم، وحسنه الحافظ فب الفتح : ٨ / ٦١٣.
(٣) أخرجه مسلم رقم ( ١٣٩٨ ).


الصفحة التالية
Icon