قال الحافظ ابن حجر: ولما كان من أصل الدين أن الْمبادرة إلى أفعال الخير مطلوبةٌ، فنُبِّه على أنه قد يَعترضُ على هذا الْمطلوب ما هو أجَلُّ منهُ، وهو الإصغاء إلى الوحي، وتَفَهُّمُ ما يَرِدُ منه، والتشاغل بالحفظ قد يَصُدُّ عن ذلك، فأُمِرَ ألاَّ يُبَادر إلى التحفظ ؛ لأن تحفيظه مضمونٌ على ربه اهـ.(٢٣)
عن سعيد بن جبيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تعالى: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ؟ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ،(٢٤)
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ؟ يُحَرِّكُهُمَا،
وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: ﴾ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴿ قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ، ﴾ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴿ قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، ﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ.
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ ؟ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ ؟ كَمَا قَرَأَهُ.(٢٥)
وظاهر السياق يحتمل أن يكون إنما كان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ للمشقة التي كان يجدها ؟ عند نزول الوحي، فكان يتعجل بأخذه لتزول الْمشقة سريعًا.
وفي روايةٍ أخرى عند البخاري: كان يُحَرِّكُ به لسانه مخافة أن ينفلت منه.(٢٦)
فهذه الرواية صريحةٌ في أن سبب الْمبادرة هو خشية النسيان، أي كان يحرك لسانه لئلا يفلت منه حرف أو تضيع منه لفظة.