فَعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ.(٩)
كما أن ابن مسعود ؟ من السابقين إلى الإسلام، ولم يزل يسمع النَّبِيّ ؟ يقرأ بالفاتحة في الصلاة، ويقول: لا صَلاَةَ إِلاَّ بِقِرَاءةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.(١٠)
فلو صحَّ عنه هذا النقل، وجب أن يُحمل على أكمل أحواله ؟، وذلك بأن يُقال: إنه كان يرى أن القرآن كتب في المصاحف مخافة الشك والنسيان، أو الزيادة والنقصان، فلمَّا رأى ذلك مأمونًا في فاتحة الكتاب؛ لأنَّها تثنى في الصلاة، ولأنه لا يجوز لأحد من المسلمين ترك تعلمها -ترك كتابتها، وهو يعلم أنَّها من القرآن، وذلك لانتفاء علة الكتابة -وهي خوف النسيان- في شأنِها.
فكان سبب عدم كتابتها في مصحفه وضوح أنَّها من القرآن، وعدم الخوف عليها من الشك والنسيان، والزيادة والنقصان.(١١)
قال أبو بكر الأنباري تعليقًا على قول ابن مسعود: "لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة" قال: يعني أن كلَّ ركعةٍ سبيلُها أن تفتتح بأم القرآن، قبل السورة المتلوَّة بعدها، فقال: اختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لَهَا، ولم أثبتها في موضعٍ فيلزمني أن أكتبها مع كل سورةٍ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة.(١٢)
ويدل على ذلك أيضًا أنه قد صحَّ عن ابن مسعود قراءة عاصم وغيره، وفيها الفاتحة، وهذا نقلٌ متواتر يوجب العلم.
وأما المعوذتان، فقد ثبت بِما لا مجال للشك معه أنَّهما قرآنٌ منَزَّلٌ.
فقد ورد التصريح بقرآنيتهما عن النَّبِيّ ؟.
كما جاء عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ؟: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَتَانِ، فَتَعَوَّذُوا بِهِنَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَعَوَّذْ بِمِثْلِهِنَّ، يَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ.(١٣)