وقد فنَّد هؤلاء العلماء ما ورد عن ابن مسعود من الإنكار أو الْمَحْوِ من المصاحف، وتطلبوا لذلك وجوهًا كثيرةً في الردِّ، منها:
١. أن سبيلَ نقل المعوذتين سبيلُ نقل القرآن، وهو ظاهرٌ مشهورٌ، وأن فيهما من الإعجاز الذي لا خفاء لذي فهمٍ عنه، فكيف يحمل على ابن مسعودٍ إنكار كونِهما قرآنًا، مع ما ذكر من النقل والإعجاز؟
٢. أن ابن مسعودٍ لو أنكر أن المعوذتين من القرآن لأنكر عليه الصحابة، ولنقل إلينا نقلاً مستفيضًا، كما أنكروا عليه ما هو أقل من ذلك، وهو اعتراضه على اختيار زيد لجمع القرآن.(١٩)
٣. أن ابن مسعود كان مشهورًا بإتقان القراءة، منتصبًا للإقراء، وقد صحَّ عنه قراءة عاصم وغيره، وفيها المعوذتان، ولو كان أقرأ تلاميذه القرآن دون المعوذتين لنُقل إلينا، فلمَّا لم يروَ عنه، ولا نُقل مع جريان العادة، دلَّ على بطلانه وفساده.(٢٠)
٤. أنه لو صحَّ أنه أسقط المعوذتين من مصحفه، فإن ذلك لا يدل على إنكاره كونَهما من القرآن، بل لعله أن يكون أسقطهما لعدم خوف النسيان عليهما، وظن من رأى ذلك مِمن لم يعرف ما دعاه إليه أنه أسقطهما لأنَّهما ليستا عنده بقرآن.(٢١)
٥. ويحتمل أن يكون سمع جواب النَّبِيّ ؟ لأُبيٍّ لما سأله عنها، وأنه قال: قيل لي، فقلت، فلما سمع هذا أو أخبر به اعتقد أنَّهما من كلام الله ؟، غير أنه لا يجب أن تسميا قرآنًا؛ لأنه ؟ لم يسمهما بذلك، أو أنه سمع جواب النَّبِيّ ؟ لعقبة لما سأله: أقرآنٌ هما؟ فلم يجبه، وأصبح فصلَّى الصبح بِهما، فاعتقد أنَّهما كلام الله تعالى، ولم يسمهما قرآنًا لما لم يسمهما النَّبِيّ ؟ بذلك.
٦. ويحتمل أن يكون لم ير النَّبِيّ ؟ يقرأ بِهما في الصلاة قطُّ، فظن به لأجل ذلك أنه يعتقد أنَّهما ليستا من القرآن.(٢٢)


الصفحة التالية
Icon