٤. أنه لا يُظَنُّ بِهم عدم تنبههم للخطأ ورجوعهم عنه، مع كثرتهم، وحرصهم، وتوافر الدواعي إلى حفظ الكتاب الكريم.
٥. أنه لا يُظَنُّ بعثمان أنه ينهى عن تغيير الخطأ، ولو فعل ذلك لَما سكت عنه الصحابة ؟.
٦. أنه لا يُظَنُّ أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهي مروية بالتواتر خلفًا عن سلفٍ.(٨)
فقد جَعَلَ عثمانُ للناسِ إمامًا يقتدون به، فكيف يرى فيه لحنًا ويتركه تقيمه العرب بألسنتها؟ فإذا كان الذين تولَّوا جمعه لم يقيموا ذلك -وهم الخيار- فكيف يقيمه غيرهم؟ فهذه الأوجه مِما يدل على أن هذه الآثار غير صحيحة.
قال ابن الأنباري(٩) في الأحاديث المروية في ذلك عن عثمان ؟: لا تقوم بِها حجةٌ؛ لأنَّها منقطعةٌ غير متصلة، وما يشهد عقلٌ بأن عثمان -وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته، وقدوتُهم- يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام، فيتبينُ فيه خللاً، ويشاهد في خطه زللاً، فلا يصلحه، كلاَّ والله، ما يَتَوَهَّم عليه هذا ذو إنصافٍ وتمييزٍ، ولا يعتقد أنه أخَّر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه، والوقوف عند حكمه.
ومن زعم أن عثمان أراد بقوله: "أرى فيه لحنًا": أرى في خطه لحنًا، إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسدٍ ولا محرِّفٍ، من جهة تحريف الألفاظ وفساد الإعراب -فقد أبطل ولم يُصِبْ؛ لأن الخط منبئ عن النطق، فمن لحن في كتبه، فهو لاحنٌ في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادًا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتبٍ ولا نطقٍ، ومعلومٌ أنه كان مواصلاً لدرس القرآن، متقنًا لألفاظه، موافقًا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي.(١٠)