السادس: أن المراد باللحن ليس الخطأ، بل هو مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها، كما كتبوا: } لاأذبحنه ﴿،(١٩) بألفٍ بعد (لا)، و﴾ جزاؤا الظالمين ﴿،(٢٠) بواو وألف، و﴾ بأييدٍ ﴿،(٢١) بيائين، فلو قرئ بظاهر الخط كان لحنًا، وبِهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف.(٢٢)
السابع: أن المراد باللحن القراءة واللغة، وليس المراد به الخطأ، فيكون المراد بكلمة (لحن) في الروايات المذكورة: قراءة، ولغة، كقوله تعالى: ﴾
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ {.(٢٣)
والمعنى أن في القرآن ورسم مصحفه وجهًا في القراءة لا تلين به ألسنة جميع العرب، ولكنها لا تلبث أن تلين بالمران وكثرة تلاوة القرآن بِهذا الوجه.
ويكون قول سعيد ابن جبير: "لحن"، بمعنى أنَّها لغة الذي كتبها وقراءته، وأن فيها قراءةً أخرى.(٢٤)
ويدل على ذلك الوجه قول عمر ؟ في الحديث عن قراءة أُبَيٍّ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ ؟: عَلِيٌّ أَقْضَانَا، وَأُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ كَثِيرًا مِنْ لَحْنِ أُبَيٍّ... الحديث.(٢٥)
وقد روى أثر عثمان هذا ابن أشتة في كتاب المصاحف بلفظ خالٍ من هذا الإشكال.
فعن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: لَمَّا فُرِغ من المصحف، أُتِي به عثمانُ، فنظر فيه، فقال: أحسنتم وأجملتم! أرى شيئًا سنقيمه بألسنتنا.
قال السيوطي: فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته، فرأى فيه شيئًا كُتِب على غير لسان قريشٍ، كما وقع لهم في (التابوة) و(التابوت)، فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريشٍ، ثم وفَّى بذلك عند العرض والتقويم، ولم يترك فيه شيئًا، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرَّفها، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم منه ما لزم من الإشكال، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك، ولله الحمد.(٢٦)


الصفحة التالية
Icon