وهذه شبهة باردة لا تستحق الردَّ؛ فإنَّها تحمل في طيَّاتِها أمارات بطلانِها وردها، ولكن نذكر ما أجاب به أهل العلم عن هذه الكذبة، وهي أجوبة كثيرة، منها:
١. أن الروايات التي تعلقوا بِها في هذه الشبهة في غاية الضعف، ولا تقوم بمثلها حجة، فهذا الأثر المروي عن عوف بن أبي جميلة ضعيف جدًّا، ففيه عبّاد بن صهيب، وهو متروكٌ، ضعيف الحديث، وكان قدريًّا داعيةً،(١٥) وكذلك عوف بن أبي جميلة، وإن كان ثقةً، إلا أنه متهم بالقدر والتشيع، وهذا الأثر -إن ثبت عنه- مما يؤيد دعوى الشيعة وقوع التحريف في القرآن، فهو متهم فيه.(١٦)
٢. أنه لو حصل مثل ذلك لنقل إلينا نقلاً متواترًا، لأنه مِمَّا تتوافر الدواعي على نقله وتواتره. فلما لم ينقل إلينا بالنقل الصحيح، علم أنه كذب لا أصل له.
٣. أنه من الْمحال عقلا وعادةً سكوت جميع الأمة عن تغيير شخص لكتابِها الذين تدين الله به، وأئمة الدين والحكم إذ ذاك متوافرون، فكيف لا ينكرون، ولا يدافعون عن كتاب ربِهم؟
٤. أن الحجاج لم يكن إلا عاملاً على بعض أقطار الإسلام، ومن المحال أن يقدر على جمع المصاحف التي انتشرت في بلاد المسلمين شرقها وغربِها، فذلك مِمَّا لا يقدر عليه أحدٌ لو أراده.
٥. أن الحجاج لو فرض أنه استطاع جمع كل المصاحف وإحراقها، فإنه من المحال أيضًا أن يتحكم في قلوب الآلاف المؤلفة من الحفاظ، فيمحو منها ما حفظته من كتاب الله.(١٧)