ويدل لِهذا القول حديث أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ ؟ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ مِيكَائِيلُ ؟: اسْتَزِدْهُ، فَاسْتَزَادَهُ، قَالَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ. قَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، فَاسْتَزَادَهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ: كُلٌّ شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ، نَحْوَ قَوْلِكَ تَعَالَ وَأَقْبِلْ وَهَلُمَّ وَاذْهَبْ وَأَسْرِعْ وَاعْجَلْ.(١٩)
قال السيوطي: إسناده جيد.(٢٠)
ويجاب عن هذا القول بأن الأحاديث التي احتجوا بِها لا تدل على حصر الأحرف في نحو ما ذهبوا إليه، وإنما بيَّن الرَّسُول ؟ فيها الأحرف السبعة بِمثال يوضح نوعية هذه الأحرف، وأنَّها لا تؤدي إلى تناقض أو تضاد.
قال أبو عمر بن عبد البر: إنما أراد بِهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، أنَّها معانٍ متفقٌ مفهومها، مختلفٌ مسموعها، لا يكون في شيء منها معنىً وضده، ولا وجهٌ يخالفُ معنى وجهٍ خلافًا ينفيه ويضادُّه، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده.(٢١)
ويردُّ هذا القول أيضًا بأن الحكمة من تنْزيل القرآن على سبعة أحرف هي التيسير على المكلفين، لاختلاف ألسنتهم، ولم يكن أكثر اختلاف العرب في استعمال الألفاظ المترادفة، بل أكثر اختلافهم إنَّما كان في اللهجات، من فكٍّ وإدغامٍ، وفتح وإمالة، وهمزٍ وتخفيفٍ، ونحو ذلك، ولا شك أن المشقة عليهم في هذه الأبواب أعظم من المشقة في استعمال هلمَّ مكان تعالَ أو أقبلْ.
كما أنه على قول ابن جرير لا يُدرى كيف يتخرَّج وجود الأوجه المتعددة من القراءات في المصاحف العثمانية، وكلها مثبتة فيها، سواء برسم واحدٍ، أو برسمين.