قال ابن عبد البر: فهذا معنى الأحرف السبعة المذكورة(٣) في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث، منهم سفيان بن عيينة، وابن وهب، ومحمد بن جرير الطبري، والطحاوي وغيرهم، وفي مصحف عثمان الذي بأيدي الناس منها حرفٌ واحد.(٤)
وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة: هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف، وهذا ذكره النحاس وغيره.(٥)
وهذا القول مبني على القول بأن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات في الكلمة الواحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، وهو قول ابن جرير ومن وافقه.
فقد رأى القائلون بِهذا القول ندرة الكلمات القرآنية التي يصدق عليها ما رأوه في المراد بالأحرف السبعة، فقالوا إنَّها نسخت، أو اتفق الصحابة على منع القراءة بِها، وكتبوا المصاحف على حرف واحد، هو لسان قريش.
واحتج القائلون بِهذا القول بأدلة منها:
قول عثمان ؟ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ.(٦)
قالوا: وهذا يدل على أنَّهم جمعوا القرآن على حرف واحد، وهو لسان قريش، وتركوا ما سوى ذلك من الأحرف الستة.
أن الأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة؛ للضرورة؛ لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة واحدة، فلما كثر الناس والكتاب، وارتفعت الضرورة ارتفع حكم هذه السبعة، ورجَّح ذلك قيامُ الخلاف بين القراء، بما كاد يؤدي إلى فتنة عظيمة، فأجمعت الأمة بقيادة إمامها الناصح الشفيق عثمان بن عفان ؟ على أن تقتصر على حرف واحد من الأحرف السبعة، جمعًا لكلمة المسلمين، فأخذت به، وأهملت كل ما عداه، فعاد ما يُقرأ به القرآن على حرفٍ واحدٍ.(٧)


الصفحة التالية
Icon