أما استدلالهم بقول عثمان ؟: فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ. فقد سبق بيان أن ما نقل إلينا متواترًا من القرآن فيه الكثير من غير لغة قريش، وسبق أيضًا بيان أن مراد عثمان ؟ من ذلك أن أكثر القرآن ومعظمه نزل بلسانِهم، أو أن ابتداء نزوله كان كذلك، وعليه فلا إشكال في هذا الأثر على القول بأن بعض الأحرف باقٍ، إذ ليس فيه أن عثمان ؟ أمر بإلغاء تلك الأحرف.(١١)
قال الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه أنزل بلسان هذا الحي من قريش، أي: معظمه وأكثره نزل بلغتها، ولم تقم حجة قاطعة على أن القرآن بأسْرِه نزل بلغة قريش... ويجزئ من الدليل قوله تعالى: } إنا جعلناه قرآنًا عربيًّا{،(١٢) ولم يقل قرشيًّا...(١٣)
كما أن قول عثمان ؟: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ... يدل على أنه لم يأمر بإلغاء الأحرف السبعة، فاللفظ صريحٌ في أنه أمر بإثبات لغة قريش عند الاختلاف فقط، أما عند الاتفاق فليكتبوا بأي لغة صحَّ أن النَّبِيّ ؟ قرأ بِها في العرضة الأخيرة، ولم ينقل إلينا أنَّهم اختلفوا في شيء إلا في لفظ (التابوت) كما مرَّ.(١٤)
وأما احتجاجهم بأن الأحرف السبعة كانت في أول الأمر ضرورة لاختلاف لغات العرب، ومشقة أخذ جميعهم بلغة واحدة، فقد سبق الكلام على أن المشقة ما زالت باقية، فما زال في الأمَّةِ: (الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلامُ وَالْجَارِيَةُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ)، بل لعلها الآن أشد مِمَّا كانت عليه فيما مضى.
وأما قولهم إن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة، فنحن نوافق على ذلك، ولكن نخالف في أن القراءة غير الحفظ، فإنه وإن لم يكن واجبًا على الأمة أن تقرأ بالأحرف السبعة جميعها، فإنه لا شكَّ أن حفظ هذه الأحرف التي هي بعض القرآن من الضياع واجبٌ على الأمة.