الأول: وقوع النسيان منه ؟ فيما ليس طريقه البلاغ.
فهذا جائز مطلقًا لما جُبل عليه ؟ من الطبيعة البشرية.
والثاني: وقوع النسيان منه ؟ فيما طريقه البلاغ.
وهذا جائز بشرطين:
الشرط الأول: أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه، وأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً.
قال النووي في شرح قوله ؟ :"كنت أُنْسِيتُها": دليل على جواز النسيان عليه ؟ فيما قد بلَّغه إلى الأمة.(٤٢)
الشرط الثاني: أن لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره: إما بنفسه، وإما بغيره.(٤٣)
وقال القاضي عياضٌ(٤٤) - رحمه الله: جمهور الْمحققين على جواز النسيان عليه ؟ ابتداءً فيما ليس طريقه البلاغ، واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم، ولكن من جوز قال: لا يُقَرُّ عليه، بل لا بد أن يتذكره أو يُذَكَّره.(٤٥)
ونسيان النبي ؟ لشيء مِمَّا طريقه البلاغ يكون على قسمين أيضًا:
قال الإسماعيلي:(٤٦) النسيان من النبي ؟ لشيء من القرآن يكون على قسمين:
أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قربٍ، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله ؟ في حديث ابن مسعود في السهو: إنَّما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون.(٤٧)
وهذا القسم عارضٌ سريع الزوال، لظاهر قوله ؟ :} إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿.(٤٨)
والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو الْمشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: ﴾ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى! إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ﴿، (٤٩) على بعض الأقوال.
وهذا القسم داخل في قوله ؟ :﴾ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا {.(٥٠)(٥١)
وزعم بعض الأصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه النسيان في شيء أصلاً، وإنما يقع منه صورته، ليَسُنَّ.(٥٢)
قال القاضي عياضٌ: وهذا تناقض مردودٌ، ولم يقل بِهذا أحد مِمَّن يقتدى به، إلا الأستاذ أبو الْمظفر الإسفراييني(٥٣) من شيوخنا، فإنه مال إليه ورجحه، وهو ضعيفٌ متناقض.(٥٤)