كما أنه لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنَّهم لم يجمعوه،(١٠٠) مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بِهم، ونحن نرى أهل العصور اللاحقة يحفظ القرآن منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟ مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونَها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن، وما سمعوه من النبي ؟، فكيف نظن بِهم إهماله ؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد جمع القرآن إلا الأربعة الْمذكورون.(١٠١)
الثالث: اختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة
فمِمَّا يدل على إرادة الحصر الإضافي اختلاف الرواية عن أنس ؟ في تحديد الأربعة، ففي رواية: أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد،(١٠٢) وفي رواية أخرى أبو الدرداء مكان أبيٍّ،(١٠٣) وهذا دليل على عدم إرادة الحصر الحقيقي، فهو صادق في كلتا الروايتين ؛ لأنه ليس معقولاً أن يكذب نفسه، فتعين أن الْمراد بالحصر هنا حصر إضافي، بأن يقال: إن أنسًا ؟ تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم تعلق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبا الدَّرْداء دون أُبَيِّ بن كعبٍ.(١٠٤)
كما اختلف العلماء في تحديد أبي زيدٍ الْمذكور في هذا الحديث، فبعضهم يَجعله سعد بن عبيد الأوسي، وبعضهم يجعله قيس بن السكن الخزرجي، وبعضهم يصحح أنَّهما جميعًا جمعا القرآن على عهد رسول الله ؟، ـ(١٠٥) وبعضهم يجعله قيس بن أبي صعصعة.(١٠٦)
والاختلاف في تحديد الْمعدود الْمحصور يدل على عدم إرادة الحصر الحقيقي.
ثانيًا: الجواب بتقدير مراد أنس بالحصر الإضافي:
وذلك بوجوه:
الأول: أن الْمراد به: لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك.
الثاني: أن الْمراد: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، وما لم ينسخ غيرهم.