ولا يَرِد على هذا الإجماع ما رواه أحمد وابن أبي داود عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَتَى الْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ(٥٠) بِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ بَرَاءةَ } لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴿ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ لا أَدْرِي وَاللهِ إِلاَّ أَنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ؟ وَوَعَيْتُهَا وَحَفِظْتُهَا. فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ؟، ثُمَّ قَالَ لَوْ كَانَتْ ثَلاَثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ فَانْظُرُوا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَضَعُوهَا فِيهَا فَوَضَعْتُهَا فِي آخِرِ بَرَاءةَ.(٥١)
قال الحافظ ابن حجر: ظاهر هذا أنَّهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم، وسائر الأخبار تدل على أنَّهم لم يفعلوا شيئًا من ذلك إلا بتوقيف.(٥٢)
فالجواب عن هذا الخبر بوجهين:
الأول: أنه معارض للقاطع، وهو ما أجمعت عليه الأمة، ومعارض القاطع ساقطٌ عن درجة الاعتبار، فهذا خبر ساقطٌ مردودٌ على قائله.
الثاني: أنه معارض لِمَا لا يُحصى من الأخبار الدالة على خلافه.(٥٣)
قال السيوطي:(٥٤) يعارضه ما أخرجه ابن أبي داود أيضًا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى هَذِهِ الآيَةِ مِنْ سُورَةِ بَرَاءةٌ: ﴾ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ﴿،(٥٥) فَظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ؟ أَقْرَأَني بَعْدَهَا آيَتَيْن: ِ ﴾ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَحِيمٌ { آخر السورة.(٥٦)