واستدلوا على ذلك بأن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كتب في عهد عثمان، ولم يُخالف منهم أحد، وإجماعهم لا يتم إلا إذا كان الترتيب الذي أجمعوا عليه عن توقيف؛ لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بِمخالفتهم، ولكنهم عدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها، ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه جميعًا.(١٦)
واستدلوا بأحاديث، منها: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ كان يَقُولُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي.(١٧)
فذكرها نسقًا كما استقر ترتيبها.
وعن واثلة بن الأسقع أن النبي ؟ قال: أُعْطِيتُ مكانَ التَّوْراة السبعَ الطِّوالَ، وأُعْطِيتُ مكان الزبور الْمِئِينَ، وأُعْطِيتُ مكان الإنجيل المثانيَ، وفُضِّلْت بالمفصَّلِ.(١٨)
قال أبو جعفر بن النحاس: وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي ؟، وأنه مؤلف من ذلك الوقت.(١٩)
وقال مالك: إنَّما أُلِّف القرآن على ما كانوا يسمعون من قراءة رَسُول اللهِ ؟. ـ(٢٠)
قال ابن حجر:(٢١) ومِمَّا يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفيًّا:
عَنْ أَوْسِ الثَّقَفِيِّ(٢٢) قَالَ: كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَتَوُا النَّبِيَّ ؟ أَسْلَمُوا مِنْ ثَقِيفٍ... الحديث، وفيه: قُلْنَا مَا أَمْكَثَكَ عَنَّا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَرَدْتُ أَنْ لا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَه. ُ قَالَ: فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رسول الله ؟ حِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: نُحَزِّبُهُ ثَلاَثَ سُوَرٍ وَخَمْسَ سُوَرٍ وَسَبْعَ سُوَرٍ وَتِسْعَ سُوَرٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً وَثَلاَثَ عَشْرَةَ سُورَةً وَحِزْبَ الْمُفَصَّلِ مِنْ قَافْ حَتَّى يُخْتَمَ.(٢٣)