هذا كلام باطل، ولعله من وضع أولئك الصوفية الكسالى الذين طُبعوا على الجلوس والسكن فيما يسمونها بالرباطات، ينزلون فيها وينتظرون رزق الله ممن يأتيهم به من الناس، عملاً أن هذا ليس من طبيعة المسلم، لأن النبي ﷺ قد ربى المسلمين جميعاً على علو الهمة، وعلى عزة النفس، فقال عليه الصلاة والسلام ( اليدُ العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة )(٢).
ويُعجبني بهذه المناسبة مما كنت قرأته فيما يتعلق ببعض الزهاد من الصوفية - ولا أطيل في ذلك، فقصصهم كثيرة وعجيبة :-
زعموا أن أحدهم خرج سائحاً ضارباً في الأرض بغير زاد، فوصل الأمر إلى أنه كاد أن يموت جوعاً، فبدت له من بعيد قرية، فأتى إليها، وكان اليوم يوم الجمعة، وهو بزعمه خرج متوكلاً على الله، فلكيلا ينقض بزعمه توكله المزعوم، لم يظهر شخصه للجمهور الذي في المسجد، وإنما انطوى على نفسه تحت المنبر، لكيلا يشعر به أحد، لكنه كان يحدث نفسه لعل أحداً يُحس به، وهكذا خطب الخطيب خطبته، وهو لم يُصل مع الجماعة ! فبعد أن انتهى الإمام من الخطبة والصلاة، وبدأ الناس يخرجون زرافات ووحداناً من أبواب المسجد، حتى شعر الرجل بأن المسجد كاد يخلو من الناس، وحينئذٍ تُقفل الأبواب، ويبقى وحيداً في المسجد من غير طعام ولا شراب، فلم يسعه إلا أن يتنحنح ليثبت وجوده للحاضرين، فالتفت بعس الناس، فوجدوه قد تحول كأنه عظم من الجوع والعطش، فأخذوه وأغاثوه.
وسألوه : من أنت يا رجل ؟!
قال : أنا زاهد متوكل على الله.
قالوا : كيف تقول : متوكل على الله، وأنت كدت أن تموت ؟! ولو كنت متوكلاً على الله لما سألت، ولما نبهت الناس إلى وجودك بالنحنحة، حتى تموت بذنبك ؟!
هذا مثال إلى ما يؤدي به مثلُ هذا الحديث ( خذ من القران ما شئت لما شئت ).
والخلاصة : أن هذا الحديث لا أصل له.