٣. إن عصر الرسالة له خصوصية في أمور كثيرة، لأنه عصر بدء الدعوة لهذا الدين الجديد، ونشره، وتأسيس دولته، فكانت السنوات الثلاث والعشرون التي عاشها رسول الله – ﷺ – بعد بعثته مليئة بالحركة والتنقل والدعوة والتعليم والتربية، وكان أصحابه يجارونه في تلك الحركة، وكان حالهم من الأمية واختلاف اللغات وضيق الأوقات قد جلب لهم الرخصة في القراءة، حتى لا يُحْرَمَ أحد من الصحابة من قراءة القرآن وتعلمه ونيل ثوابه والتفقه فيه. ولم تكن هناك مدارس ولا معاهد، ولا كتب ولا وسائل للتعليم، سوى التلقين والمشافهة، فجاءت الرخصة لتسهِّل عليهم تلقي القرآن وحفظه على ما هم عليه من تباين اللغات وانعدام وسائل التعلم في أول ذلك العهد.
٤. قد لا يكون البحث عن جواب للتساؤل عن مدى ارتباط القراءات القرآنية بالوحي الآن مهماً بقدر أهمية البحث في مدى انعكاس الرخصة في القراءة على كتابة القرآن وتدوينه. فالقراءات المنقولة كلها صحيحها وشاذها ترتبط بما قرأ به النبي – ﷺ – وأقرأه أو أذن به، وأخذه الصحابة عنه وقرؤوا به، لكن كتابة القرآن كانت تعتمد على اللفظ المنزل المتلقى من رسول الله – ﷺ – فلم تنعكس الرخصة على الكتابة، وهو ما سأبحثه في الفقرة الآتية من هذا البحث، إن شاء الله.
٥. في الختام أقول ما قاله أستاذي الدكتور عبد الصبور شاهين من قبل :" ليس من حقنا، ولا في مقدورنا أن نعطي عن ذلك إجابة محددة، ولكن الذي يُعين سياق الأحاديث على القول به، أن بعضها كان إقراءً منه – ﷺ – وبعضها الآخر كان إقراراً لمن أقرأه، أو استمع إلى قراءته، ولم يستطع أن يأتي بحروف النبي [ صلى الله عليه وسلم] على وجه الدقة، لاختلاف اللهجة وتفاوت القدرة... " (١).
ثانياً : علاقة رخصة الأحرف السبعة بكتابة القرآن

(١) تاريخ القرآن ص ٤٤


الصفحة التالية
Icon