#٩٦#
١١١- ((إسحاق)): وعن عبد الرحمن بن حجيرة؛ أنه كان يقول: لأن أقرئ آية من القرآن أحب إلي من أن أقرأ مائة آية.
١١٢- ((خم)): وعن وهب بن منبه؛ أنه قال: تعلموا القرآن وعلموا القرآن؛ فإن الله تعالى جعل القرآن سراجاً لا تطفأ مصابيحه، ونوراً لا يفتر ذكاء وقده وشهاباً لا يخبو ورى زنده، وجبلاً لا تضعضع أركانه، وقسطاً لا يحيف لسانه، وجنداً لا تهزم أنصاره، وبحراً لا يدرك قعره، ومعدناً لا تنقطع كنوزه، وخبراً لا تفنى عجائبه، ومعقلاً يمنع من الهلكة جاره، فاتخذوه شعاراً، وارضوا بتهجده من الليل جاراً؛ فإنه نعم الصاحب يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، ونعم العون إذا أخذ بأنفاسنا عند الساعة. إنه شافع مشفع وماحل #٩٧# مصدق، وإن استطعتم أن تحسنوا صحابته فلعلكم أن تدخلوا في شفاعته، واعلموا أن الله تعالى لم يشفعه حتى كان منه بمكانٍ، فقد كان للقرآن أهلٌ قبلكم، هم كانوا أرعى لحرمته منكم، لقد سماه الله كتاباً عزيزاً، ولقد ضيعتم من رعاية حقه عظيماً. إن من كان قبلكم اعتصموا بالقرآن دليلاً واتخذوه إلى النجاة سبيلاً، وفي طلب الحياة إماماً مقدماً. لقد قرأه أقوامٌ فذبهم عن المحارم، ودلهم على طرق المكارم، ولقد استشفى به قوم فاشتفوا، واكتفى به آخرون فاكتفوا، إن قوماً من حملته لما سمعوا الله جل ثناؤه يقول: ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون﴾.
كادت قلوبهم أن تصدع لخبر الله حين حكى عن الجبال، فلو رأيتهم قد قاموا على مواعيظه يقولون للناس حسناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً، قد قيدوا أقدامهم عن مواقف التهمات وأبكموا ألسنتهم عن التكلم في أعراض الناس، وحموا أسماعهم عن أن يلجها #٩٨# خوض خائضٍ من معصيةٍ، أو متكلمٌ لمسلمٍ بفريةٍ، وكحلوا أعينهم بفضل ترك النظر إلى المعاصي أجلاس بيوتهم إن عرضت فتنةٌ، ومصابيح الهدى إن جرت شبهةٌ، ليس لخائضٍ في مجالستهم مطمعٌ، ولا لأهل الدنيا في قلوبهم موقعٌ. ترى أحدهم يضوي كالهلال من الجهد والتعب والكلال، فلو رأيتهم وقد نامت العيون وهدأت الحركات وسكنت الأصوات، وقد حركتهم حركات خوف الوعيد: ﴿أفمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون﴾.
وقوله جل جلاله: ﴿أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون﴾.
استيقظوا لها -والله- وتواثبوا إلى المحاريب، ينادون من لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ، فلو رأيتهم لرأيت رجالاً ورأيت عجباً، وقد قاموا على أطرافهم منحنيةً على أجزاء القرآن أصلابهم، إذا زفروا قلت: زفير #٩٩# النار تحت آذانهم، فما زالت تلك حالهم حتى دبرت ركبهم وجباههم. وما فرت منهم نياتهم لما أملوا من العيش المقيم.