﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ ٢، فيتنزل القرآن بما يبين وجه الحق لهم، وبما هو أوضح معنى في مؤدى أسئلتهم، كما قال تعالى: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ ٣، أي ولا يأتونك بسؤال عجيب من أسئلتهم الباطلة إلا أتيناك نحن بالجواب الحق، وبما هو أحسن معنًى من تلك الأسئلة التي هي مَثل في البطلان.
وحيث عجبوا من نزول القرآن مُنَجَّمًا بيَّن الله لهم الحق في ذلك، فإن تحديهم به مفرقًا مع عجزهم عن الإتيان بمثله أدخل في الإعجاز، وأبلغ في الحجة من أن ينزل جملة ويقال لهم: جيئوا بمثله، ولهذا جاءت الآية عقب اعتراضهم: ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ أي لا يأتونك بصفة عجيبة يطلبونها كنزول القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا وبما هو أبين معنًى في إعجازهم، وذلك بنزوله مفرقًا، ويشير إلى هذه الحكمة ما جاء ببعض الروايات في حديث ابن عباس عن نزول القرآن: "فكان المشركون إذا أحدثوا شيئًا أحدث الله لهم جوابًا"٤.
الحكمة الثالثة: تيسير حفظه وفهمه
...
٣- الحكمة الثالثة: تيسير حفظه وفهمه.
لقد نزل القرآن الكريم على أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة، سجلها ذاكرة حافظة، ليس لها دراية بالكتابة والتدوين حتى تكتب وتدوِّن، ثم تحفظ وتفهم: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ١، ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ ٢، فما كان للأمة الأمية أن تحفظ القرآن كله بيسر لو نزل جملة واحدة، وأن تفهم معانيه وتتدبر آياته، فكان نزوله مفرقًا خير عون لها على حفظه في صدورها وفهم آياته، كلما نزلت الآية أو الآيات حفظها الصحابة، @