وقد اشتهر × بالصبر، وقوة الاحتمال، وعلو الهمة، والاعتزاز بالنفس، والصمود أمام الكوارث، والترفع عن الدنايا، تراه في كتاباته عفيف القلم، حلو المحاضرة، طيب المعاشرة مع تلاميذه حتى إنك لا تجد بين كتاباته رداً على أحد ممن وقف ضده موقف الخصم، بل أسبغ على كتاباته طابع العلم الذي يجب أن يُبَلِّغه، لا مظهر الردود التي تضيع أوقات طالب العلم، وتقود إلى الأحقاد والتعصب.
بل إن أشهر ما عُرِف به الشيخُ رحابة صدره مع منتقدي فتاويه، ومخالفيه في الرأي؛ فهو لا يغلظ لهم القول، ولا ينقدهم النقد اللاذع، بل يُلَمِّح باحترام وتقدير ولطف دون أن يتعدى دائرة النطاق العلمي النزيه.
وما عَرف لسانُه ولا قلمه نابيَ الكلام؛ فإذا احتاج إلى الرد على أحد _ عَلَت ردودَه مسحةٌ من الأدب الجم، واحترام آراء الآخرين، وترك الاستخفاف أو الاستنقاص للمخالفين كيفما كانت شخصياتهم، ومهما كانت آراؤهم.
ولذلك لم يَنْزِل طيلة حياته إلى الإسفاف في القول كما هو الشأن في المناقشات التي ظهرت في عصره، والمعارك الأدبية والعلمية التي كانت يومئذ محط أنظار الناس(١).
يقول فيه صديقه في الطلب الشيخ محمد الخضر حسين متحدثاً عن شيء من أخلاقه: =شب الأستاذ على ذكاء فائق، وألمعية وقادة، فلم يلبث أن ظهر نبوغه بين أهل العلم+(٢).
ويقول فيه: =وللأستاذ فصاحة منطق، وبراعة بيان، ويضيف إلى غزارةِ العلمِ وقوةِ النظرِ صفاءَ الذوقِ، وسعةَ الاطلاعِ في آداب اللغة.
وأذكر أنه كانَ يوماً في ناحية من جامع الزيتونة ومعه أديبان من خيرة أدبائنا، وكنتُ أقرأ درساً في ناحية أخرى من الجامع، فبعث إليَّ بورقة بها هذان البيتان:

تأَلَّقَتِ الآدابُ كالبدر في السَّحَرْ وقد لفظ البحران موجُهما الدرر
(١) _ انظر شيخ الجامع الأعظم ص١٥٠، ومحمد الطاهر بن عاشور للطباع ص٨١.
(٢) _ تونس وجامع الزيتونة ص١٢٥_١٢٦.


الصفحة التالية
Icon