٣٣_ احترامه لمشايخه، ونقله عنهم: فكان يشيد بهم، وينوه بعلمهم، وينقل عنهم ما أفاده منهم ولو عن طريق المشافهة، وذلك كما في نقله عن شيخه سالم بو حاجب، وشيخه وجده الوزير العزيز بوعتور، كما في ١٠/١٤٣_١٤٥، و١٢/١٢١ و١٦/١١٣_١١٤.
بل لقد كان ينقل عن أصحابه وأقرانه، كإيراده بيتاً لصاحبه الشيخ محمد الخضر حسين، كما في سورة البقرة عند قوله _تعالى_: [وَمِنَ النَّاْسِ مَنْ يَقُوْلُ آمَنَّا] الآية.
وكما في استشهاده ببيت لصاحبه الشيخ عبدالعزيز المسعودي ١٩/٢٣٦_٢٣٨.
٣٤_ جزالة الأسلوب: فقد كتب تفسيره بأسلوب عربي بليغ قوي أخَّاذ، شديد الأسر، محكم النسج.
٣٥_ توظيف الثقافة والمعارف: فقد وظَّف ثقافته ومعارفه أحسن توظيف لخدمة الغرض الذي يرمي إليه؛ فجاء تفسيره حافلاً بالشواهد التاريخية، والأساليب البيانية، والفوائد العلمية، والاقتباسات، والتضمينات، والإشارات.
ومن الأمثلة على ذلك قوله في ١/٢٧٤: = فلا ينبغي لمنتسب أن يجازف بقولة سخيفة ناشئة عن قلة تأمل، وإحاطة بموارد الشريعة، وإغضاء عن غرضها، ويَؤُول إلى تكفير جمهور المسلمين، وانتقاض الجامعة الإسلامية، بل إنما ينظر إلى موارد الشريعة نظرة محيطة؛ حتى لا يكون ممن غابت عنه أشياء وحضره شيء(١)، بل يكون حكمه في المسألة كحكم فتاة الحي(٢)

(١) _ هذا تضمين لبيت أبي نواس الذي يقول فيه:
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة... علمت شيئاً وغابت عنك أشياءُ... (م)
(٢) _ هذا تضمين لبيت النابغة:
احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت... إلى حَمَام شِراع وارد الثَّمد
يَحَفُّه جانباً نيقٍ وتتبعه... مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد
قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا... إلى حمامتنا ونِصفُه فَقَدِ
فحسَّبوه فألفوه كما حسبت... تسعاً وتسعين لم تنقص ولن تزدِ
قوله: (فتاة الحي): هي زرقاء اليمامة، وكان يضرب بها المثل في حدة البصر.
وقوله: (شِراع): مجتمعة، (والثمد): الماء القليل يكون في الشتاء، ويقل في الصيف.
وقوله: (يحفه): يحيط به، (والنيق): الجبل، وقوله: (قد): أي حسب، والحسبة: الحساب.
والمعنى أنها أسرعت في أخذ حساب الطير في تلك الناحية.
ومعنى البيت: أصِبْ في أمري، ولا تخطئ فيه كما أصابت الزرقاء في عدد الحمام ولم تخطئ.
والقصة _ كما زعموا _ أن زرقاء اليمامة _وهي من بقايا طسم وجديس_ كان لها قطاة؛ فمر بها سرب من القطا بين جبلين، فقالت:
ليت الحمام ليه... إلى حمامتيه
أو نصفه قَدِيَه... تم الحمام ميه
فهذ قصة فتاة الحي، ومقصود ابن عاشور ×: انظر إلى الشريعة نظرة شاملة؛ حتى إذا حكمت في أي مسألة _ كان حكمك مصيباً جازماً كحكم فتاة الحي.
وهكذا وظف تلك القصة لخدمة غرضه. (م)


الصفحة التالية
Icon