…إذا تقرر هذا نقول : إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي ( في الأكثر كسؤالهم لما نزل قوله تعالى :﴿ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾(١). قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ ففسره النبي ( بالشرك(٢)، واستدل عليه بقوله ( :﴿ إن الشرك لظلم عظيم ﴾...(٣) وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه. ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير"(٤).
…من كل ما سبق يتبين لنا أن تفسير القرآن الكريم ضرورة يفرضها الأمر بالتدبر والتذكر والإعتبار ومعرفة شرع الله كمنطلق أساسي لتحكيمه في واقعنا كما يفرضه جهلنا بعلوم اللغة وعلوم القرآن، وأخيرا تفرضه ظروف المواجهة والتحدي.
شروط وآداب المفسر :
…إن كثيرا من الدارسين المحدثين قد أقحموا في دراساتهم كتبا، هي أبعد ما تكون عن التفاسير، وقاموا بدراسة مباحث رجال هم أبعد ما يكونون عن المفسرين، فارتأيت أن أقوم بدارسة شروط وآداب المفسر حتى تكون نبراسا في اختيار التفاسير التي يعول عليه الإنسان في استنباط مراد الله تعالى من القرآن الكريم.
…لقيام أي بحث علمي لابد من توفر شروط نظرية نتطلبها في الباحث الذي يريد خوض غمار الكشف عن الحقيقة وتجليتها. وهذه الشروط التي نشترطها فيه هي ذات بعدين :
البعد الذاتي :
…ونعني به الأخلاق والقيم الروحية التي ينبغي أن تتوفر في الباحث، لتؤهله لتحمل أمانة الكشف عن الحقيقة وتجليتها لمن يجهلها من البشر. وقد عبر سلفنا الصالح عما ذهبنا إليه بآداب العالم أو سمت العلماء.
البعد المعرفي :