…وفي هذه الدراسة اللغوية المعجمية، يحذر الزركشي من أن يفلت زمام الأمر من يد المفسر، فيبتدع منهجا لا يوحى به النص، مما يؤدي إلى مفارقات في النتائج والاستنباطات، ومن ثم يتعين عليه مراعاة مطابقة التفسير للنص المفسر، بحيث يقع الحافر على الحافر من غير زيادة أو نقصان في المبنى والمعنى، لأن ذلك قمين بالإزراء بكلام الله والبعد به عن مقصده وهدفه، بل قد يأتي بعكس النتائج والأهداف التي يتوخاها النص القرآني. يقول الزركشي :" ويجب أن يتحرى في التفسير مطابقة المفسر، وأن يتحرز في ذلك من نقص المفسر عما يحتاج إليه من إيضاح المعنى المفسر، أو أن يكون في ذلك المعنى زيادة لا تليق بالغرض، أو أن يكون في المفسر زيغ عن المعنى المفسر وعدول عن طريقته، حتى يكون غير مناسب له ولو من بعض أنحائه، بل يجتهد في أن يكون وفقه من جميع الأنحاء، وعليه بمراعاة الوضع الحقيقي والمجازي، ومراعاة التأليف، وأن يوافي بين المفردات وتلميح الوقائع، فعند ذلك تتفجر له ينابيع الفوائد"(١).
…ثم ينتقل الزركشي إلى الحديث عن دلالة السياق وإبراز أهميتها في فهم وإدراك معنى آي الذكر الحكيم، بل يعتبرها من أعظم الأدوات المنهجية التي يتعين على المفسر أن يتسلح بها وهو يخوض غمار عملية من أصعب وأخطر العمليات التفسيرية، ذلك أنها تتعلق بتفسير كلام رب العالمين. وهذا التفسير الخطأ فيه ليس سهلا أو هينا، وذلك لما قد تترتب عنه من أحكام وأمور وقضايا تتعلق بحياة المسلم الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية الدينية. فدلالة السياق إذن هي التي "ترشد إلى تبين المجمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظيره، وغالط في مناظراته. وانظر إلى قوله ( :﴿ ذق إنك أنت العزيز الكريم ﴾(١)، كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير"(٢).


الصفحة التالية
Icon