١- ماذكره البخاري تحت باب ((وهوألد الخصام)) [البقرة: ٢٠٤]، من حديث عائشة (رضي الله عنها)، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أبغضُ الرجال إلى الله الألد الخَصِم)(٨).
٢- وتحت تفسير قوله (تعالى): ((قالوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأََنَّنَا مُسْلِمُونَ)) [المائدة: ١١١] أورد النسائي أثر ابن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما إلى قوله: ((قولوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إلَيْنَا)) [البقرة: ١٣٦] إلى آخر الآية، وفي الأخرى ((قالوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأََنَّنَا مُسْلِمُونَ)) [المائدة: ١١١](٩).
المسألة الثانية: نظرة وصفية لأمثلة التفسير النبوي:
من خلال إلقاء نظرة سريعة على الوارد من التفسير النبوي يمكن فهرسة الأمثلة تحت عناوين كالتالي:
١- بيان معنى لفظة:
إن المتأمل في ما نقله الصحابة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلاحظ أنهم لم يوردوا عنه تفسيراً للألفاظ، ويظهر ـ والله أعلم ـ أن ذلك بسبب معرفتهم المعاني اللغوية؛ لأنهم عرب يفهمون معاني الخطاب، ولو ورد لهم استشكال في فهم ألفاظه أو مدلولاته اللغوية لسألوا عنها، ومما يدل على ذلك حديث ابن مسعود في نزول آية: ((الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ)) [الأنعام: ٨٢] فهم فهموا الظلم بمعناه العام في لغتهم (أي أنهم استشكلوا مدلول لفظة: الظلم) فشق عليهم هذا الخطاب حتى بينه لهم رسول الله.
إذن.. لم يكن الصحابة بحاجة إلى بيان المفردات اللغوية، ولذا لم يرد في التفسير النبوي إلا نادراً، ومنه ماجاء عن أبي سعيد الخدري من تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- للفظة (وسطاً) من قوله (تعالى):-((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة: ١٤٣] قال (والوسط العدل) (١٠).
٢- بيان حكم فقهي في الآية:
إذا فحصت هذه الأمثلة فإنه سيظهر لك من خلال الفحص ما يلي:
ستجد أن المثال الأول وقع فيه البيان عن المراد بالظلم بآية أخرى، أي: إن القرآن وضّح القرآن.
لكنك هل تجد في المثالين الآخرين وقوع بيان عن آية بآية أخرى؟
ففي المثال الثاني: تجد أن المفَسّر جمع عدة آيات يربطها موضوع واحد، وهو حكمة خلق النجوم، فهل وقع بيان لآية بآية أخرى في هذا الجمع؟
لاشك أنه لم يقع هذا البيان، لأن الأية الأولى التي جمع المفسر معها ما يوافقها في الموضوع لم يكن فيها ما يحتاج إلى بيان قرآني آخر.
وفي المثال الثالث: تجد أن المفَسّر جمع بين عدّة آيات تُوهم بالاختلاف، لكن هل وقع في جمع هذه الآيات تفسير بعضها ببعض؟ أم أن تفسيرها جاء من مصدر آخر خارج عن الآيات؟
الذي يبدو أن جمع هذه الآيات أثار الإشكال؛ إذ التراب لا يُُفسّّر بالطين، ولا بالحمأ المسنون... إلخ، كما أن كل واحدٍ من الآخرين لا يُفسّر بالآخر؛ لأنه مختلف عنه. ولما كان الخبر عن خلق آدم والإخبار عنه مختلف احتاج المفسر إلى الربط بين الآيات ومحاولة حلّ الإشكال الوارد فيها، ولكن الحلّ لم يكن بآية أخرى تزيل هذا الإشكال، بل كان حلّه بالنظر العقلي المعتمد على دلالة هذه المتغايرات وترتيبها في الوجود، مما جعل المفسر لهذه الآيات ينتهي إلى أنها مراحل خلق آدم عليه السلام، وأن كل آية تتحدث عن مرحلة من هذه المراحل، حيث كان آدم تراباً، ثم طيناً، ثم... إلخ.
وبهذا يظهر جليّاً أنّ جمع الآيات لم يكن فيه بيان آية بآية أخرى، وإن كان في هذا الجمع إفادة في التفسير.
وبعد.. فإن النتيجة التي تظهر من هذه الأمثلة: أن كل ما قيل فيه: إنه تفسير قرآن بقرآن، إذا لم يتحقق فيه معنى البيان عن شيء في الآية بآية أخرى، فإنه ليس تعبيراً مطابقاً لهذا المصطلح، بل هو من التوسع الذي يكون في تطبيقات المصطلح.
تفسير القرآن بالقرآن عند المفسرين:
فقال ابن عباس: هؤلاء الآيات نزلت عذراً للماضين، وحجّة على الباقين، عذراً للماضين؛ لأنهم لَقُوا الله قبل أن حرّم الله عليهم الخمر، وحجة على الباقين؛ لأن الله يقول: ((.. إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ..)) [المائدة: ٩٠] [المائدة: ٩٠]. حتى بلغ الآية الأخرى)(٦).
فانظر كيف خفي على هذا البدريّ (رضي الله عنه) حكم هذه الآية لمّا لم يكن يعلم سبب نزولها؟ وكيف لم تكن مشكَلة عند من علم سبب نزولها؟ فنزلها منزلتها، وبيّن معناها.
٢- أنهم عرفوا أحوال من نزل فيهم القرآن:
يقول الشاطبي ـ في بيان أهمية معرفة الأحوال في التفسير ـ: (ومن ذلك: معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل، وإن لم يكن ثَمّ سبب خاص، لا بدّ لمن أراد الخوض في علم القرآن منه، وإلا وقع في الشّبه والإشكالات التي يتعذّر الخروج منها إلا بهذه المعرفة) (٧).
أ -ومن الأمثلة التي تدلّ على أهمية معرفة أحوالهم في التفسير: ما رواه البخاري في تفسير قوله (تعالى): ((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ..)) [البقرة: ١٩٨] عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (كانت عُكاظٌ ومجنّةٌ وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثّموا أن يَتّجِروا في المواسم، فنزلت ((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ..)) في مواسم الحج)(٨).
أ- ومثله ما رواه البخاري عن عائشة (رضي الله عنهما) قالت: (كانت قريش ومن دَانَ دينها يقفون المزدلفة، وكانوا يسمّون الحُمْسُ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي عرفات، ثُمّ يقفَ بها، ثُمّ يُفِيِضَ منها، فذلك قوله (تعالى): ((ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ..)) [البقرة: ١٩٩] (٩).
ومما نزل بسبب حال من أحوال اليهود، ما روى جابر (رضي الله عنه) قال: (كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: ((نساؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاًتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ..)) [البقرة: ٢٢٣](٣).
تنبيه:
للصحابة فيما يتعلق بالمشاهدة حالتان:
الأولى: أن يكون الصحابي ممن حضر سبب النزول، أو عايش الأحوال التي نزل بشأنها القرآن، وهذا هو الذي ينطبق عليه الحديث هنا.
الثانية: أن يكون سمعه من صحابي آخر، وبهذا فإنه يدخل في القسم الذي بعده.
الثاني: ما يتعلق بالسماع:
يشمل هذا القسم كل الروايات التي يرويها الصحابي عن غيره، ويدخل في هذا القسم ما يلي:
١- الرواية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
والمراد به: ما يروونه من التفسير النبوي الصريح، وقد يقع تفسيره جواباً لأسئلتهم، أو أن يفسّر لهم ابتداءً.
* ومن الأول: ما رواه مسلم في تفسير قوله (تعالى): ((.. لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ..)) [التوبة: ١٠٨] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: (مرّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر المسجد الذي أسس على التقوى؟.
قال: قال أبي: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله، أيّ المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفّاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا، لِمسجد المدينة.
قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره) (٤).
* ومن الثاني: ما رواه البخاري عن أبي ذرّ، قال: (كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد عند غروب الشمس، فقال: يا أبا ذر، أتدري أين تغيب الشمس؟.
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله (تعالى):
((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ)))(٥).
٢- ما يرويه الصحابي عن الصحابي:
ومن أمثلة ذلك: تفسيرهم قوله (تعالى): ((لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ)) [الانشقاق: ١٩]، ورد في قوله ((لَتَرْكَبُنَّ)) قراءات، منها: فتح التاء والباء، وقد اختلف في: من وجّه إليه الخطاب؟، على قولين:
الأول: أن الخطاب موجّه للرسول، واختلف في معنى ((طَبَقاً عَن طَبَقٍ)) على هذا القول على معنيين:
١- لتركبن يا محمد حالاً بعد حال، وأمراً بعد أمر من الشدائد، وهذا مروي عن ابن عباس من طريق مجاهد والعوفي.
٢- لتركبن يا محمد سماءً بعد سماءٍ، وهذا مروي عن ابن مسعود من رواية علقمة.
الثاني: أن الخطاب موجّه للسماء، والمعنى: أنها تتغيّر ضروباً من التغيّر: تتشقق بالغمام مرّة، وتَحْمَر أخرى، فتصير وردة كالدهان، وتكون أخرى كالمهل، وهذا مروي عن ابن مسعود من رواية مرة الهمذاني و إبراهيم النخعي(٧).
في هذا المثال تجد لابن مسعود قولين في تحديد من وجّه له الخطاب، وفي الأول يوافقه ابن عباس في هذه الجزئية، ثم يخالفه في معنى الركوب طبقاً عن طبق.
وما كان ذلك الاختلاف إلا لاحتمال هذا النص هذه المعاني المذكورة، فأبدى كل واحد منهما أحد هذه المحتملات.
مسألة : في اجتهاد الصحابة في حياة الرسول ﷺ :
تُظهر بعض النصوص أن الصحابة كان لهم اجتهادات في فهم الخطاب القرآني وتفسيره في عصر الرسول، وكان لاجتهادهم حالتان:
الحالة الأولى: أن يُقِرّ الرسول اجتهادهم، ومن ذلك: الأثر المروي عن عمرو بن العاص، قال: بعثني رسول الله عام (ذات السلاسل)، فاحتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت به، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمت على رسول الله ذكرت ذلك له، فقال: (ياعمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ)) [النساء: ٢٩] فتيممت، ثم صليت، فضحك، ولم يقل شيئاً)(٨).