يُفهم ممن جعل التفسير بالرأي قسيمًا للتفسير بالمأثور، أنَّ التفسير بالرأي ما عدا الأربعة المذكورة في التفسير بالمأثور، وهذا فيه عدم تحرير، وقد ظهر من ذلك نتائج، منها: أنَّ التفسير المأثور أصح من التفسير بالرأي، وأنه يجب الاعتمادُ عليه.
وهذا الكلام من حيث الجملة صحيحٌ، إلا أنه لم يقع فيه تحديد مصطلح الرأي، ومعرفة مستندات الرأي لكلِّ جيلٍ من العلماءِ، وإذا تبينت هذه الأمور بانت العلاقة بينهما، وإليك بيانُ ذلك باختصار.
إنَّ تسمية هذه الأربعة بأنها مأثور جعل بعض الباحثين الذين اعتمدوا هذه المصطلح يغفل عن وقوع الاجتهاد في التفسير عند السلف، فإذا كان لهم اجتهاد، فهل هو تفسير بالرأي، أو يُعدُّ بالنسبة لهم مأثورًا؟.
فإذا كان المفسِّر المجتهد من الصحابة، فهل يُعدُّ تفسيرُه مأثورًا بالنسبة لغيره من الصحابة؟.
وإذا كان المفسر المجتهد من التابعين، فهل يُعدُّ تفسيرُه بالنسبة للصحابة مأثورًا؟.
لا شكَّ أنَّ الجواب: لا، لا يُعدُّ مأثورًا.
لكنَّ تفسير الصحابةِ بالنسبة للتابعين وأتباعهم مأثورٌ.
وتفسير التابعين بالنسبة لأتباع التابعين مأثورٌ.
والمراد بالمأثور هنا مطلق المعنى اللغوي أو الاصطلاحي عند علماء مصطلح الحديث. ولا يعني وصفه بأنه مأثور مطلق القبول، وتقديمه على غيره، لأنَّ في الأمر تفصيل ليس هذا محلُّه ولا يُمكن الخروجُ من هذه إلا إن قال من اصطلح على هذا المصطلح: أنا أريد بالرأي: الرأي المذمومَ، وهذا ما لم يشر إليه من درج على هذين المصطلحين.
ولبيان المسألة أكثر، أقول: بعد أن تشكَّل تفسيرُ السلفِ، وتحدَّد في طبقاتِه الثلاثِ (الصحابة والتابعين وأتباع التابعين) كما هو ظاهرٌ من نقولِ المعتنين بكتابة علم التفسير من علماء أهل السُّنة، الذين اعتمدوا النقل أو الترجيح بين الأقوال، صار التفسير المأثور عن السلف مصدرًا يجب الرجوع إليه، والاعتماد عليه، وهذا ظاهر لا مشكلة فيه.