وهذا القول الثالث هو القول المعتدل الذي سلكه طائفة من العلماء في التفسير والعلماء بالاجتهاد، ومنهم ابن تيمية رحمه الله وابن القيم وجماعة من المحققين في التفسير، ويظهر لك صوابه فيما إذا نظرت إلى الكتب المؤلفة في مقاصد السور وتناسب الآيات والسور ونحو ذلك، فإنّ فيها أشياء متكلّفة، وفيها أشياء يتضح حسنها؛ بل إذا نظر ت إليها وتدبرت ما قيل من المناسبات والاتصال بموضوعات السور زادك يقينا بأنّ هذا القرآن إنما هو كلام الله جل وعلا، وإذا قرأت السورة أحسست بتأثير فيها ليس كتأثير من لم يعلم موضوع السورة ولا تناسب الآيات فيما يُذكر.
لهذا نقول إن هذه الأقوال الثلاثة المختار منها الثالث، وهو الذي يهم أن تعتني به من كلام أهل العلم؛ لأنّ فيه الفائدة المرجوّة إن شاء الله تعالى.
المصنفات في هذا الباب كثيرة، حتى زعم ابن العربي المالكي وهو من أهل الأندلس قد اتصل بالمشرق في فترة من عمره، زعم أنه كتب كتابا –زعم بمعنى قال؛ لأنّ زعم لا تعني التكذيب، زعم في اللغة بمعنى القول كما في الحديث الصحيح «أتانا رسولُك يزعم أنّك تزعم أنّ الله أرسلك»، قال العلماء بأن الزعم يستعمل بمعنى القول–، المقصود من هذا أن ابن العربي المالكي صاحب أحكام القرآن، وعارضة الأحوذي، وشرح الموطأ وكتب كثيرة معروفة، زعم أنه كتب كتابا في مقاصد السور وتناسب الآيات والسور وعرضه على الناس في زمانه، قال: رأيت الناس بَطَلَة لم يقبلوا عليه، ولم يهتموا له مع عظيم علمه وشرف معلومه، قال: فلما رأيت ذلك الإعراض منهم أحرقته وجعلته بيني وبين الله جل وعلا.
وكتب أيضا الرازي في تفسيره بعض المناسبات.
وإلى أنْ وصل الأمر إلى الزركشي؛ فعرض في كتابه علوم القرآن المسمى ”بالبرهان“، كتب فيه أبوابا جيدة بالتناسب والمقاصد، وهي قصيرة لكنها فيها تأصيل لهذه المسألة.