ثم إنّ من أنواع البركة التي يُفيضها الله جل وعلا على خاصة عباده أن يمن عليهم بمحبة العلم، ومحبة تداركه، والإقبال على ذلك، وحقيقة العلم هو العلم بكتاب الله جل وعلا وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذْ لا أرفع بالكلام ولا أعظم قدْرا من كلام ربنا جل وعلا، ولا أعظم ولا أرفع بعده من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، فالموفَّق والمبارَك من علم وعمل واجتهد في ذلك حتى يصيب منه ما كتب الله له، «واعملوا فكل ميسر لما خلق له».
ولهذا وصف الله جل وعلا كتابه بأنه مبارَك، وجعل من أصناف بركته التي أنزلها سبحانه وتعالى أنْ أنزل هذا الفرقان، كما قال سبحانه ؟تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا؟[الفرقان: ١]، وكما قال جل وعلا ؟كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ؟[ص: ٢٩]، وقال أيضا جل جلاله ؟وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ؟(١) ونحو ذلك من الآيات التي فيها وصف القرآن بأنه مبارك؛ يعني كثير الخير لمن أقبل عليه، ففيه شفاء الصدور، وفيه شفاء القلوب، وفيه الهداية، وفيه التوفيق لمن أرد الله جل وعلا أن يوفقه.