وعلا في بيان هذا المثال (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ).
هذه أمثلة من أنواع الافتتان وأنواع البلاء، وما في هذه السورة مما يتصل بهذا الموضوع، ثم يتعانق في هذه السورة الابتداء مع الختام ليدلك على قول من قال من أهل العلم: إن موضوع السورة يتعانق فيه البداية مع النهاية. فقال جل وعلا في بدايتها (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(٢)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ما المخرج في جميع هذه الحالات؟ الجواب في آخر السورة في آخر آية ؟وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ؟[العنكبوت: ٦٩].
موضوع مقاصد السور وأثر ذلك في التفسير له شعب من جهة التنظيم، وله أيضا شعب من جهة التطبيق، وإذا تأملت ما ذكرت من هذين المثالين في سورة الفاتحة وسورة العنكبوت، يكون لك به نظرة ورؤية إلى ما يذكره العلماء في موضوعات السور وما تشتمل عليه، ففهم إذن كما اتضح لك الآن أنّ فهم آيات سورة العنكبوت الآن تقرأها ربما يكون لك تدبر آخر، يكون تأثرك بالسورة وبالنظر إليها آخر، تشوف الآيات غير ما كنت تقرأ سابقا، لماذا؟ لأنه اتصل عندك الموضوع وفهمت هذه الآية ولماذا أتى بقصة النبي فلان، ولماذا أتى بقصة النبي الآخر عليهم جميعا السلام، إلى آخر ما هو معلوم.
فإذن هذا الموضوع وهو موضوع مقاصد السور من العلم النادر العزيز، لكنه مهم لكل طالب علم في التفسير بقدر ما ذكرنا، وهو أن ينص أحد من العلماء على المقصد والموضوع، وأن يكون ظاهرا في دور آيات السورة عليه.