ومعلوم أن التفسير إنما هو بتدبر القرآن، فالذي يعلم التفسير لا شك أنه قد تدبر قبل ذلك، فعلم إذا كان عنده أهلية بالعلوم التي ينبغي توفرها في المفسر، والناس بعد ذلك نقلة أو يتلقون ما قاله المفسرون، فلما حضّ الله جل وعلا على تدبر القرآن وجب حينئذ أن يُقبل العباد بعامة وأن يُقبل العلماء بخاصة على هذا القرآن، ليخرجوا كنوزه؛ لأن القرآن حجة الله الباقية إلى قيام الساعة، ويخرج منه بقدر العلوم وبقدر ما فتح الله على عبده يخرج منه من الفهوم ومن العلم؛ ما هو تفصيل وبيان لبعض كلمات المتقدمين من الصحابة والتابعين مما قد لا يدركها كل أحد، وهذه الجملة يأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.
فإذن علم التفسير من العلوم المهمة، وها أنتم تستقبلون دورة علمية، أو دروسا علمية في هذا المسجد المبارك في علوم شتى؛ من علم التوحيد، والحديث، والمصطلح، ونحو ذلك مما هو معلوم، وعلم التفسير أيضا أنتم بحاجة إليه؛ لأنّ القرآن هو أعظم ما يقبل عليه، فإذا علمت القرآن علمت الشريعة، ولهذا قال طائفة من العلماء: المفسر يحتاج إلى علوم كثيرة:
- منها علم اللغة؛ لأن القرآن أُنزل بلسان عربي مبين ؟حم(١)وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(٢)إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(٣)وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ؟[الزخرف: ١-٤]، واللغة أقسام: منها النحو، ومنها علم المفردات، ومنها البلاغة بأقسامها الثلاثة، منها [الاستقراء]، إلى آخر علوم اللغة.
- ثم علم التوحيد الذي هو الأساس، فالقرآن كله في توحيد الله جل وعلا، من أوله إلى آخره كله في التوحيد، وذلك أن القرآن:
- إما أن يكون ما فيه خبرا عن الله جل وعلا؛ وعن صفاته سبحانه وتعالى، وعما يستحقه جل وعلا من توحيده بالعبادة، والبراءة من الشرك وأهله، ونحو ذلك، فهذا واضح بأنه في توحيد الله جل وعلا.