قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (( ﴿ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي: اشهد بالحق ولو عاد ضررها عليك، وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه وإن كان مضرة عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه. وقوله: ﴿ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾، أي: وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك، فلا تراعهم فيها، بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم؛ فإن الحق حاكم على كل أحد وهو مقدم على كل أحد. وقوله: ﴿ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ﴾ أي: لا ترعاه لغناه، ولا تشفق عليه لفقره، الله يتولاهما، بل هو أولى بهما منك، وأعلم بما فيه صلاحهما. وقوله: ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ أي: فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغضة الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ )).
وقال: (( ﴿ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ﴾ : قال مجاهد وغير واحد من السلف: ﴿ تَلْوُوا ﴾ أي: تحرفوا الشهادة وتغيّروها، واللّي: هو التحريف وتعمد الكذب، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾ الآية، والإعراض هو: كتمان الشهادة وتركها، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ )).
وقد ختم الله آيتي النساء والمائدة بالأمر بالعدل ببيان كون الله خبيراً بأعمال العباد، والمعنى: أن ما يحصل منهم من عدل أو جور، فإن الله يعلمه، ولا يخفى عليه منه شيء، وسيجازي كلاًّ بما عمل، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر.