ثم قال ~: (( التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء ومن أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول *، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته، وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف، من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه، أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى. واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرّح به تعالى في قوله عنهم: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾، وقوله: ﴿ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضا الله وجنّته ورحمته هي اتباع رسوله *، ومن حاد عن ذلك فقد ضلّ سواء السبيل ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ )).
ومعنى الوسيلة في هذه الآية، هو معنى الوسيلة في قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ [الإسراء: ٥٧]، والمعنى: أن المدعوين من عباد الله الصالحين هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة، أي: يتقربون إلى الله بطاعته، فعلى من دعاهم أن يكف عن ذلك ويدعو الله وحده كما كان المدعوون يدعون الله وحده.