ـ قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: ٦٥ ـ ٦٦].
بيّن الله في هاتين الآيتين أن أهل الكتاب لو حصل منهم الإيمان بالله، والالتزام بما أنزله الله على رسلهم من الحق والهدى، وتركوا التحريف والتبديل، وآمنوا بمحمد * الذي بشّرت به كتبهم، لظفروا بمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ودخول الجنّات.
وفي ذلك الجمع لهم بين التخلية وهي تكفير السيئات، والتحلية وهي التمتع بنعيم الجنّة، وقد قال ابن كثير ~ في هذا المعنى: (( لأزلنا عنهم المحذور، وأنلناهم المقصود ))، وهذا جزاؤهم في الآخرة، وأما جزاؤهم في الدنيا، فبيّنه الله في قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾، أي: بما ينزله لهم من بركات السماء من الأمطار، وبما يخرجه لهم من بركات الأرض من الكنوز والثمار.
وهذا الجزاء الدنيوي والأخروي مما اشتمل عليه الدعاء الجامع الذي كان يكثر منه الرسول * كما في صحيح مسلم (٦٨٤٠): (( عن عبد العزيز بن صهيب قال: سأل قتادة أنساً: أي دعوة كان يدعو بها النبي * أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: (( اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ))، قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه )).


الصفحة التالية
Icon