لقد انساق المستشرقون المعاصرون مع أسلافهم في اتباع منهج الشك والمبالغة في إثارة الشكوك حول الوقائع التاريخية الثابتة، والروايات الصحيحة المرتبطة بتاريخ القرآن وعلومه، واعتمدوا في ذلك على عملية الانتقاء بطريقة مغرضة وهادفة إلى ما يصبون إليه من نتائج عكسية، كما أن عدم ثقتهم في صحة النص القرآني دفعهم إلى الشك في أمانة نقله وسلامة تبليغه، إضافة إلى الشك في جمعه وترتيبه، وهكذا يدعي كثير من المستشرقين أن النص القرآني الذي جاء به محمد ﷺ قد نالته - بعد إفضائه به إلى الناس - تعديلات بالزيادة والنقصان خاصة في صورته المكتوبة (١)، ووجدوا في موضوع اختلاف المصاحف الخاصة التي كانت بأيدي بعض الصحابة ميداناً يخبُّون فيه ليشفوا رغبة في صدورهم: هي زلزلة العقيدة وفتح أبواب الشكوك والارتياب، فهؤلاء المستشرقون يعرفون أن الشك في نص يوجب الشك في آخر؛ ولذلك فهم يلحون في طلب روايات الاختلاف، وينقلونها في غير تحرز، ويؤيدونها غالباً، ولا يمتحنون أسانيدها، ولا يلتفتون إلى آراء علماء المسلمين فيها.
وقد جمع المستشرق الإنجليزي آرثر جفري ﷺrthur Jeffery(٢) الاختلافات المنسوبة إلى المصاحف الفردية لبعض الصحابة أمثال:
(٢) قام الرجل بنشر كتاب ((المصاحف)) لابن أبي داود (ت ٣١٦) وألحق جفري بكتاب المصاحف مقدمة مطولة باللغة الإنجليزية ضمنها ما زعم أنها مصاحف الصحابة الخاصة.
Arthur Jeffery: Materials for the History of the Text of the Quran،Istanbul ١٩٣٧.