ونختم حديثنا عن المنهج الافتراضي لدى القوم بذكر مثال مثير للغرابة، فالمستشرق الإنجليزي المعاصر منتغمري وات M.Watt وقف عند أمر القرآن للمؤمنين بالاستئذان قبل الدخول لبيوت غير بيوتهم (١) فلم يجد تفسيراً لذلك إلا أن يقول إن ذلك دليل على انحطاط في مستوى الأخلاق كان النبي ﷺ بحاجة إلى السمو به في نفوس أصحابه(٢)، فمن أين أتى الرجل بهذا الافتراض والاستنتاج؟ وهل هذا يعني أن الأخلاق لو كانت غير منحطة لسمح ذلك للناس بولوج بيوت الآخرين من غير استئذان؟ إن مسألة الاستئذان ليست خاصة بالإسلام، فهي لكونها تستند إلى بواعث الفطرة الإنسانية السليمة قررتها مختلف الأديان، وتواضعت عليها مختلف الأعراف والآداب العامة، بل إن المجتمعات الغربية التي ينتمي إليها وات _ بالرغم من تحررها - لا زالت تحتفظ بقيمة الاستئذان قبل دخول بيوت الآخرين، فلماذا إذن هذا الافتراض الذي لا أساس له من الصحة.
إن مما لا شك فيه أن للمستشرقين في كل موضوع من موضوعات القرآن التي يناقشونها ويدرسونها هدفاً وغاية يدور فلكها حول الهدف الأكبر الذي هو إثبات بشرية القرآن بكل الوسائل. وإزاء موضوع ترتيب آي وسور القرآن، يتضح أن هدفهم من افتراض ترتيبات جديدة ومحاولات مبتكرة على بساط البحث والدرس يرمي إلى إظهار التناقض المزعوم في القرآن سواء من حيث الموضوع أو من حيث الأسلوب.
المبحث الخامس: المنهج الإسقاطي
تفسير الوقائع والنصوص بالإسقاط أمر دأب المستشرقون على توظيفه في أبحاثهم القرآنية، ونعني بالمنهج الإسقاطي إسقاط الواقع المعيش على الحوادث والوقائع التاريخية، إنه تصور الذات في الحدث أو الواقعة التاريخية.
(٢) وات: محمد في مكة ص ٤٣٠.