إن ما أراد أن يرمي إليه جولدزيهر وغيره من المستشرقين هو الزعم بأن اختلاف القراءات إنما كان عن هوى ورأي واختيار من القراء لا عن توقيف وسند ورواية. ولا شك أن تنازع الصحابة في القراءة ورجوعهم إليه ﷺ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة(١) لأوضح برهان على أن القراءة ليست موكولة إلى أهوائهم، كما أن عثمان (رضي الله عنه) عندما نسخ المصاحف وبعث بها إلى الأمصار، أرسل مع كل مصحف عالماً من علماء القراءة حتى يتم أخذ القراءة من أفواه الأئمة، وهو أكبر دليل على أن القراءة إنما تعتمد على التلقي والنقل والرواية، لا على الخط والرسم والكتابة.
وهكذا يمكن القول بأن منهج النفي الاعتباطي الذي مارسه المستشرقون على علم القراءات القرآنية دفعهم إلى إلغاء وإقصاء كل الروايات والأسانيد الصحيحة التي تكتنِزها كتب القراءات، والتي تفصل بين ما هو متواتر يجب على كل مسلم قبوله ويكفر من أنكر ذلك، وبين ما هو غير صحيح. ولا شك أن عدم استيعاب جولدزيهر لهذا الأمر هو الذي دفعه إلى أن يقول: ((وتجاه هذه القراءات الموثوق بها يسود الميل إلى التسامح في اختلافها))(٢). ومن غريب صنيع الرجل وهو يستعرض اختلاف القراءات نفيه لقراءة متواترة هي قوله تعالى: ژ ؟ ؟ ؟ ؟ پ پ پ پ ؟ ؟ ؟؟ ژ [البقرة: ١٠٦ ]، فقد ذكر أنه نقل عن بعض العلماء (بهذا التمويه البالغ دون تحديد من يقصد ببعض العلماء) أنه استبعد قراءة (ننسها) مع أنها قراءة متواترة، ثم ذكر في الآية ثلاث قراءات أخرى، واحدة منها متواترة: (نَنْسَأْها) والأخريان (تنسَاها) (ننسَاها) ليستا بقراءتين، لا في الصحيح ولا في الشاذ (٣)
(٢) مذاهب التفسير الإسلامي ص ٧.
(٣) نفسه ص ٩.
قراءة (تَنْسَاها) نسبها أبو حيَّان في البحر (١/٣٤٣) لسعد بن أبي وقاص، والحسن، ويحيى بن يعمر (اللجنة العلمية).