٤- وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود فقال أوقع في قلبي الشك قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾. وهذا أنزل في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة وفي المحرم وصفر وشهر ربيع. فقال ابن عباس إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام. قال أبو شامة: رسلا أي رفقا. وعلى مواقع النجوم أي على مثل مساقطها. يريد أنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق.
هذه أحاديث أربعة من جملة أحاديث ذكرت في هذا الباب وكلها صحيحة كما قال السيوطي وهي أحاديث موقوفة على ابن عباس غير أن لها حكم المرفوع إلى النبي ﷺ لما هو مقرر من أن قول الصحابي ما لا مجال للرأي فيه ولم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات حكمه حكم المرفوع. ولا ريب أن نزول القرآن إلى بيت العزة من أنباء الغيب التي لا تعرف إلا من المعصوم وابن عباس لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات فثبت الاحتجاج بها.
وكان هذا النزول جملة واحدة في ليلة واحدة هي ليلة القدر كما علمت لأنه المتبادر من نصوص الآيات الثلاث السابقة وللتنصيص على ذلك في الأحاديث التي
عرضناها عليك. بل ذكر السيوطي أن القرطبي نقل حكاية الإجماع على نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا.
وهناك قول ثان بنزول القرآن إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين ينزل في كل ليلة قدر منها ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم ينزل بعد ذلك منجما في جميع السنة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وثمة قول ثالث: أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأزمان على النبي صلى الله عليه وسلم. وكأن صاحب هذا القول ينفي النزول جملة إلى بيت العزة في ليلة القدر.@