الوحي أداة للفتنة وستارا يقضون من ورائه وطرا للغواية ومأربا للإباحة وسبيلا إلى هدم الأديان وضلال الإنسانية والإنسان.
حقيقة الوحي وأنواعه وكيفياته
...
ا- حقيقة الوحي وأنواعه وكيفياته
أما الوحي فمعناه في لسان الشرع أن يعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر.
ويكون على أنواع شتى: منه ما يكون مكالمة بين العبد وربه كما كلم الله موسى تكليما. ومنه ما يكون إلهاما يقذفه الله في قلب مصطفاه على وجه من العلم الضروري لا يستطيع له دفعا ولا يجد في شكا. ومنه ما يكون مناما صادقا يجيء في تحققه ووقوعه كما يجيء فلق الصبح في تبلجه وسطوعه. ومنه ما يكون بوساطة أمين الوحي جبريل عليه السلام وهو ملك كريم ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين. وذلك النوع هو أشهر الأنواع وأكثرها. ووحي القرآن كله من هذا القبيل وهو المصطلح عليه بالوحي الجلي. قال الله تعالى في سورة الشعراء: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾.
ثم إن ملك الوحي يهبط هو الآخر على أساليب شتى: فتارة يظهر للرسول في صورته الحقيقية الملكية. وتارة يظهر في صورة إنسان يراه الحاضرون ويستمعون إليه. وتارة يهبط على الرسول خفية فلا يرى ولكن يظهر أثر التغير والانفعال على صاحب الرسالة فيغط غطيط النائم ويغيب غيبة كأنها غشية أو إغماء وما هي في شيء من الغشية والإغماء إن هي إلا استغراق في لقاء الملك الروحاني وانخلاع عن حالته البشرية العادية فيؤثر ذلك على الجسم فيغط ويثقل ثقلا شديدا قد يتصبب منه الجبين عرقا في اليوم الشديد البرد. وقد يكون وقع الوحي على الرسول كوقع الجرس إذا صلصل في أذن سامعه وذلك أشد أنواعه. وربما سمع الحاضرون صوتا عند وجه الرسول كأنه دوي النحل لكنهم لا يفقهون كلاما ولا يفقهون حديثا. أما هو صلوات الله وسلامه عليه فإنه يسمع ويعي ما يوحى إليه ويعلم علما ضروريا أن هذا هو وحي الله دون لبس ولا خفاء ومن غير شك ولا ارتياب فإذا انجلى عنه الوحي وجد ما أوحي إليه حاضرا في ذاكرته منتقشا في حافظته كأنما كتب في قلبه كتابة.
والأدلة الشرعية على ما ذكرنا كثيرة في الكتاب والسنة منها ما قصصنا عليك في تنزلات القرآن ومنها قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.
ومنها الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت@