أبلج من الصبح على أن هذا الداعي هو رسول هذا الملك حقا؟ ثم ألا يكون المكذب بعد ذلك معاندا ومكابرا ويكون بالحيوان الذي لا يفهم ولا يعقل أشبه منه بالإنسان الذي يفهم ويعقل؟ ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
وذلك المثل هو مثل رسل الله تؤيدهم معجزات الله. ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
الشبهة السابعة يقولون: إن هذا الوحي للذي تدعونه وتدعون تنجيمه جاء بهذا القرآن غير مرتب ولا منظم فلم يفرد كل غرض من أغراضه بفصل أو باب شأن سائر الكتب المنظمة. بل مزجت أغراضه مزجا غير مراعى فيه نظام التأليف فيبعد أن يكون وحيا من الله. وهذه الشبهة واردة كما ترى على تنجيم القرآن وترتيبه أيضا.
والجواب : أن مخالفة القرآن لأنظمة الكتب المؤلفة لا تعتبر عيبا فيه ولا في وحيه وموحيه بل هي على العكس دليل مادي على أنه ليس بكتاب وضعي بشري يجلس إليه واضعه من الناس فيجعل لكل طائفة من معلوماته المتناسبة فصلا ولكل مجموعة من فصوله المتناسقة بابا بل هو مجموع إشراقات من الوحي الإلهي الأعلى. اقتضتها الحكمة ودعت إليها المصلحة. على ما هو مفصل في أسرار تنجيم القرآن.
ثم إن هذا المزيج الطريف الذي نجده في كل سورة أو طائفة منه له أثر بالغ في التذاذ قارئه وتشويق سامعه واستفادة المستفيد بأنواع متنوعة منه في كل جلسة من جلساته أو درس من درسه وهذا هو الأسلوب الحكيم في التعليم والإرشاد خصوصا لتلك الأمة الأمية التي نزل عليها. فما أشبه كل مجموعة من القرآن بروضة يانعة يتنقل الإنسان بين أفيائها متمتعا بكل الثمرات أو بمائدة حافلة بشتى الأطعمة يشبع الجائع حاجته بما فيها من جميع الألوان.
وهنا دقيقة أحب ألا تعزب عن علمك. وهي أن هذا الروض الرباني اليانع القرآن الكريم يقوم بين جمله وآيه وسوره تناسب بارع وارتباط محكم وائتلاف بديع ينتهي إلى حد الإعجاز خصوصا إذا لاحظنا نزوله منجما على السنين والشهور والأيام.
قال الشيخ ولي الدين الملوي: قد وهم من قال: لا يطلب للآي الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المفرقة. وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيلا. فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف كما أنزل جملة إلى بيت العزة. ومن المعجز البين أسلوبه ونظمه الباهر والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك علم جم. وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له.@