ومما يهتم القرطبي رحمه الله بإيراده سبب نزول الآية؛ لأن السبب مما يُعين على فهم الآية والمراد منها، وقد كان القرطبي أحياناً يورد سبب النزول لترجيح رأي فقهي، وقد وفقتُ على مثال لذلك عند قول الله تعالى في آية الإحصار في الحج :( فَمنْ كَانَ مِنكم مَريضاً أو بهِ أذىً مَن رأسِهِ ففِدية مِن صِيامٍ أو صَدقةٍ أو نُسُكٍ ) فقد ردّ على بعض الشافعية القائلين بأن المحصر في أول الآية العدو لا المرض، بقوله: (( أول الآية ورد فيمن ورد فيه وسطها وآخرها – يعني المرض -، لاتساق الكلام بعضه على بعض، وانتظام بعضه ببعض، ورجوع الإضمار في آخر الآية إلى من خوطب في أولها، فيجب حمل ذلك على ظاهره حتى يدل الدليل على العدول عنه.
ومما يدل على ما قلناه سبب نزول هذه الآية، روى الأئمة واللفظ للدارقطني عن كعب بن عجرة أن رسول الله - ﷺ - رآه وقمله يتساقط على وجهه فقال: (أيؤذيك هوامّك) قال نعم، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية، فأمره رسول الله - ﷺ - أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام) (١) ) (٢)
١١) ذكر مسائل الإجماع والاتفاق.
ومما يميّز تفسير الإمام القرطبي – رحمه الله – أنه يذكر في ثنايا المسائل الفقهيّة في تفسيره ما أجمع عليه العلماء أو ما اتفقوا عليه، وقد لاحظتُ ذلك كثيراً عند قراءتي لتفسيره
(٢)... ٢/٢٥٥.