إن هذا الإسلام هو العلاقة العقلية الوحيدة بين الكائنات وربها، بين الناس وخالقهم! أليس من حق الموجد الأعلى أن ترنو إليه الموجودات عابدة خاشعة؟ إذا لم يكن الإسلام لله دينا فهل التمرد عليه هو الدين؟ هل تجاوز حقه هو الدين؟ هل الحكم بغير ما أمر هو الدين؟ ص _٠١٥
إن محمدا رد الأشياء إلى أصولها، ومهد لله سبيلا لا سبيل غيرها، ولذلك جاء فى هذه السورة " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " ونلحظ فى هذه الآية أدبين كريمين : الأول أنه طلب الإيمان بمثل إيماننا، ولم يقل بإيماننا نفسه تلطفا معهم وتقديرا لأشخاصهم، كأنه يمنحهم حرية التصرف، وإلا فالإيمان واحد! أما الأدب الثانى فإن تكذيبهم لم يجعل سببا للهجوم عليهم، بل تركوا وشأنهم! فإذا جاش الشر بأنفسهم وبدأوا العدوان فإن الله سيحمينا وهو حسبنا.. تلك معالم الوحدة الجامعة كما رسمتها هذه السورة، وبقى أن نزيل لبسا قد يخالط بعض الأفهام: ما معنى أن الرسل جميعا مسلمون، والمعروف أن الإسلام هو الدين الذى طلع به محمد على الناس؟. الحقيقة المؤكدة أن الدين منذ الأزل واحد، إيمان بالله، وإصلاح للعمل، وهما معنى الإسلام! المعرفة النظرية لا تكفى، فلابد مع المعرفة أن نقول لربنا :" سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ". ومعرفة إبليس أن الله واحد خلق الكل، لا تغنيه شيئا، لابد أن يضم إلى هذه المعرفة استسلام لأمر الله، وسعى إلى استرضائه، ومادام قد أبى ذلك فقد طرد من رحمة الله. وقد جاء المرسلون قاطبة يعلنون معرفتهم بالله على الوجه الصحيح، كما يعلنون طاعتهم لله فى كل ما كلف العباد به!! هكذا فعل نوح وإبراهيم، وهكذا فعل موسى وعيسى ومحمد، ولا نسرد هنا الآيات التى أعلنوا فيها إسلامهم، فالأمر يطول.. الجميع كانوا دعاة إلى الإسلام، وإن تفاوتت التشريعات الفرعية على اختلاف العصور. إن الإنسان فى صغره قد يسمى


الصفحة التالية
Icon