ثم شعرت بأن همتى دون هذه المهمة!! وكدت أتوقف! ثم قلت: لأن أقطع شوطا أو شوطين فى هذا الطريق أفضل من أن استسلم للعجز فى المراحل الأولى. ولكن الله أعان ووفق فقطعت الطريق وبلغت نهايته. والقرآن الكريم خلاصة ما أنزل الله من وحى فى القرون الأولى، وقد توافر له من الحفظ ما ضمن له الخلود، ولا يوجد فى الأولين والآخرين كتاب وعته القرائح وسجلته الصحائف وحفه التواتر حرفا حرفا إلا هذا القرآن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه. فلو سأل سائل: أين وحى الله فى هذا العصر؟ لما كانت الإشارة إلا إلى القرآن، ولا الإشادة إلا بكلماته التى غلبت الفناء، فيها وحدها الحق المعصوم والهدى المستقيم.. وأكرر أننى مستكشف قاصر، وأن الوادى الذى أستقى منه يسيل على قدرى أنا- وهو محدود- ولكنه يحث الخطى إلى ما هو أبعد، ويحدو أولى الألباب إلى الشأو الأعلى فى خدمة القرآن، وإماطة اللثام عن روائعه وبدائعه... إننى أختار من الآيات ما يبرز ملامح الصورة، وأترك غيرها للقارئ يضمها إلى السياق المشابه، وذلك حتى لا يطول العرض ويتشتت، والإيجاز مقصود لدى.... وأنبه إلى أن هذا التفسير الموضوعى لا يغنى أبدا عن التفسير الموضعى بل هو تكميل له وجهد ينضم إلى جهوده المقدورة... وهناك معنى آخر للتفسير الموضوعى لم أتعرض له! وهو تتبع المعنى الواحد فى طول القرآن وعرضه وحشده فى سياق قريب، ومعالجة كثير من القضايا على هذا الأساس... وقد قدمت نماذج لهذا التفسير فى كتابى " المحاور الخمسة للقرآن الكريم " و"نظرات فى القرآن ". ولا ريب أن الدراسات القرآنية تحتاج إلى هذا النسق الآخر، بل يرى البعض أن المستقبل لها! وعلى كل حال فالقرآن الكريم دستور الإسلام ومعجزته الباقية، والمورد الذى نتردد عليه فنحس الحاجة إليه آخر الدهر. والحمد الله الذى أنزل على عبده الكتاب وجعله هدى لأولى الألباب، وحصنه من الخطأ ومحضه للصواب.... محمد الغزالى ص _٠٠٧


الصفحة التالية
Icon