أمر الله نبيه ألا يكترث للضعاف والجبناء ومرضى القلوب، وأن يتصدى لمقاتلة الفتانين والمعتدين حتى يكسر شوكتهم ويفُلّ حدَّهم "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا... " والرجاء هنا من جند الله فى جنب الله، وختام الآية يشير إلى أن بأس الكافرين شديد وأذاهم بالغ، ولكن الله أكبر "والله أشد بأسا وأشد تنكيلا". ومن شاء انضم إلى الرسول والمؤمنين فقوى ظهرهم ونصر الحق معهم، وهذا الانضمام يسمى شفاعة، لأن المؤيد يجىء إلى الوتر فيجعله شفعا، وإلى الواحد المنعزل فيصيران اثنين قويين، وهذا معنى الآية " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا" أى مجازيا أو مقتدرا. وأمر الله المؤمنين أن يرقبوا مواقف الناس فى هذه المعارك فمن حاسنهم حاسنوه، واستقبلوه ببشاشة تدل على حبهم للسلام "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها.. ". ولا بأس أن تكون الآية فى سائر التحيات المتبادلة، وقد كان المسلمون يسلمون على الناس كلهم، ويردون بالسلام على من حياهم، حتى حرَّف اليهود الكلمة، فجعلوها "السام عليكم " فأمر المؤمنون أن يكون الرد: " وعليكم.. " فيستجيب الله فيهم ولا يستجيب منهم ! ويظهر لى أن ذلك موقف خاص، والآية على عمومها، ومن كرم الإسلام وأمته أن يحيوا الآخرين تأليفا لقلوبهم وإعلانا عن مبدئهم وهو السلام. روى ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنه قال: " من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه، وإن كان مجوسيا فإن الله يقول: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها". ورد الشعبى على نصرانى سلم عليه، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، فقيل له فى ذلك فقال: " أليس فى رحمة الله يعيش "؟. ثم ذكر القرآن الكريم بعدئذ المنافقين، وحدد الموقف منهم. والمنافقون فى هذا السياق ليسوا جماعة من أهل المدينة يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر كعبد


الصفحة التالية
Icon