"فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه سمعه منه جبريل، وبلغه عن الله إلى محمد، ومحمد سمعه من جبريل وبلغه إلى أمته، فهو كلام الله حيث سمع، وكتب، وقرئ، كما قال تعالى: ﴿ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ﴾ " (١)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أيضاً (ومن قال إن جبريل أخذ القرآن من الكتاب لم يسمعه من الله كان هذا باطلاً من وجوه: منها أن يقال إن الله سبحانه وتعالى قد كتب التوراة لموسى بيده فبنو إسرائيل أخذوا كلام الله من الكتاب الذي كتبه هو سبحانه وتعالى فيه فإن كان محمد أخذه عن جبريل، وجبريل عن الكتاب كان بنو إسرائيل أعلى من محمد بدرجة. (٢)
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هذا المعنى في موضع آخر موضحاً نزول القرآن الكريم من عند الله لا من شيء من مخلوقاته مستدلاً له ومبيناً لمعناه فقال: (.. وكذلك قد أخبر في غير موضع من القرآن أن القرآن نزل منه، وأنه نزل به جبريل منه.. قال تعالى: ﴿ أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً، والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ﴾ (الأنعام: ١١٤)؟قال تعالى: ﴿ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ﴾ (النحل: ١٠٢)؟وروح القدس هو جبريل كما قال في الآية الأخرى: ﴿ نزل به الروح الأمين على قبلك ﴾ (الشعراء: ١٩٣، ١٩٤)؟وقال هنا: ﴿ نزله روح القدس من ربك ﴾ (النحل: ١٠٢)؟فبين أن جبريل نزله من الله لا من هواء، ولا من لوح، ولا غير ذلك، وكذلك سائر آيات القرآن كقوله: ﴿ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ﴾ (الزمر: ١)
وقوله: ﴿ حم. تنزيل من الرحمن الرحيم ﴾ (غافر: ١، ٢)؟وقوله ﴿ حم. تنزيل من الرحمن الرحيم ﴾ (فصلت: ١، ٢)؟وقوله: ﴿ آلم. تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ﴾ (السجدة: ١، ٢)؟وقوله: ﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ (المائدة: ٦٧)
(٢) الفتاوى (١٢/١٢٧-).